أصدر مجلس فرع نقابة المحامين في دمشق يوم الرابع من أيار/مايو 2025 قراراً بشطب المحامي فادي صقر نهائياً من سجلات النقابة، وذلك على خلفية “مخالفات مسلكية وأخلاقية جسيمة”، وفقاً للبيان الرسمي. يُعد القرار نهائياً بحق المحامي المثير للجدل، الذي ارتبط اسمه بدورٍ بارز في دعم نظام الأسد خلال سنوات النزاع السوري، وأكد رئيس الفرع “محمد دحلا” أن اختصاص القرار يقتصر على المخالفات المهنية، وليس إثبات التورط في جرائم جزائية أو انتهاكات حقوقية، والتي تندرج تحت سلطة القضاء. وبينما يغيب أي بيان قضائي رسمي يدين صقر بجرائم حرب، يسلط قرار الشطب الضوء حول دور النقابات المهنية في معالجة إرث العنف.
قاد فادي صقر، مليشيات “الدفاع الوطني” المدعومة إيرانياً منذ 2012، واتُهمت قواته بحصار أحياء المعارضة في دمشق، وارتكاب مجازر، ونهب الممتلكات، وتدمير البنية التحتية.
صقر الدفاع الوطني مسارٌ دموي تحت مظلة المخلوع :
وُلد فادي أحمد (المُلقب بـ”فادي صقر”) عام 1974 في ريف جبلة باللاذقية، قبل أن ينتقل إلى دمشق حيث شغل منصب مدير في المؤسسة الاستهلاكية. ومع انطلاق الثورة السورية عام 2011، حوَّل صقر ولاءه الكامل للنظام المخلوع إلى أداة قمعية، فاستغل علاقاته الوثيقة به لتشكيل ميليشيا مسلحة من “اللجان الشعبية” في حي التضامن جنوب دمشق، متحولاً إلى قائدٍ بارز في قمع المظاهرات المناهضة للنظام عبر تشكيلاته العسكرية الموازية.
وارتبط اسمه بأساليب وحشية، حيث وُثِّقت انتهاكاته بحق المدنيين، ما جعله أحد أبرز رموز العنف الممنهج ضد الشعب السوري ، وبحلول أواخر 2012، مع تأسيس النظام لهيكلية “قوات الدفاع الوطني” تسلَّم صقر منصب مدير مركز الدفاع الوطني في دمشق، ليتحوّل رسمياً إلى “صقر الدفاع الوطني”، لقباً يعكس توسع نفوذه كأحد أذرع النظام العسكرية .
و رغم إدراج اسمه على قوائم العقوبات الأمريكية منذ 2012، حظي صقر بحصانة مطلقة بفضل دعم النظام المخلوع، الذي اعتمد على مليشياته كقوة رديفة للجيش إذ تولى الإشراف على تجنيد المقاتلين، وتدريبهم، وتوفير الأسلحة لهم عبر تمويل حكومي، كما نسّق عملياتهم العسكرية بشكل مباشر مع المؤسسات الأمنية التابعة للنظام.
وفي يونيو/حزيران 2020، أدرجته الولايات المتحدة مجدداً على قائمة عقوبات “قانون قيصر”، مشددةً على مسؤوليته عن جرائم حرب وتكريس العنف ضد السوريين.
محطات البصمة الدموية:
برز اسم فادي صقر كأحد قادة الميليشيات الموالية للنظام المخلوع خلال الحرب السورية، مُخلِّفًا سجلًّا ملوثاً بالدماء عبر محطات رئيسية:
قمع الاحتجاجات السلمية (2011-201):
قاد صقر عمليات قمع دموية ضد المتظاهرين في أحياء دمشق الجنوبية، خاصة حي التضامن، حيث استخدمت ميليشياته أسلحةً متنوعةً لقمع المظاهرات. تُنسب إليه حالات اختفاء قسري واعتقالات تعسفية، ووثّقت شهادات ناشطين مقتل عشرات المدنيين تحت التعذيب.
مجزرة حي التضامن (نيسان 2013):
تكشف تسريبات فيديو نشرتها “الغارديان” عام 2022 تورط صقر في جريمة إعدام جماعي لعشرات المدنيين بالحي نفسه. أقدمت ميليشياته على استدراج الضحايا إلى حفرة وإطلاق النار عليهم، ثم إحراق الجثث في جريمة سُميت “مجزرة التضامن“، ما أكّد دوره المباشر في جرائم حرب.
حصار جنوب دمشق (2013-2015):
أدار صقر حصارًا وحشيًا على أحياء الحجر الأسود ومخيم اليرموك، وقصفها بصواريخ محلية الصنع تسببت بدمار هائل. وثّقت منظمات حقوقية إعدامات ميدانية ونهبًا للممتلكات تحت إشرافه.
معارك الغوطة الشرقية (2018):
شاركت ميليشياته في الهجوم الأخير على الغوطة، حيث ساهم في اقتحام البلدات وتهجير سكانها، مما مكّن النظام من السيطرة على المنطقة بعد حصار طويل.
رغم توثيق جرائمه دوليًا (بما في ذلك عقوبات أمريكية منذ 2012 و”قانون قيصر” 2020)، حافظ صقر على نفوذه بفضل حماية النظام المخلوع ، وبقي “شبيحًا كبيرًا” في ذاكرة السوريين.
محاسبة “صقر” بين الإمكانيات والعقبات
تمتلك نقابة المحامين السورية (فرع دمشق) صلاحية محاسبة الأعضاء عبر “مجلس التأديب”، بفرض عقوبات تبدأ من التنبيه وتصل إلى الشطب النهائي، الذي يُسقِط الحصانة النقابية. لكن اختصاص النقابة ينحصر في المخالفات المهنية (كإساءة استخدام المهنة)، بينما تظل الجرائم الجزائية أو جرائم الحرب من اختصاص القضاء.
و كشف تأخير شطب “فادي صقر” – رغم سجله الدموي – يعكس هشاشة استقلالية النقابات المهنية سابقًا، التي عملت بانسيابية مع سياسات النظام المخلوع، مُحوِّلةً دورها من رقابة إلى تبرير للانتهاكات.
إذ يُضعف شطب صقر حصانته النقابية، ما يفتح بابًا نظريًا لمحاكمته محليًا بموجب القانون الجنائي السوري بتهم مثل القتل والتعذيب ويعد فقدان الحصانة النقابية خطوة رمزية ، لكن تحويلها إلى محاسبة فعلية يتطلب إصلاحًا جذريًا لمنظومة قضائية ، وضغوطًا قانونية دولية لتطبيق آليات العدالة الانتقالية في السياق السوري .
بقلم نور عويس