في اليوم العالميّ للمسرح (27 آذار من كلّ عام) يلقون كلمة، ويتحدّثون عن أهمّية هذا الفنّ في استكمال بناء الحضارة الإنسانيّة وضرورة وجوده وأثره في تقدّم البشريّة، وربّما تُعرض مسرحيّة حُضّرت لهذه المناسبة؛ ثمّ يطوى المسرح مع نهاية تلك الساعات، وينتهي كلّ شيء، حتّى الأعمال المسرحيّة التي قُدّمت ضمن الاحتفاليّة لا يُعاد عرضها في باقي أيّام السنة، تغلق الصالات، ولا تفتح أبوابها إلّا للاجتماعات الحزبيّة أو للخطابات الوطنيّة والقوميّة.
يبحثون عن مناسبات ويخترعون احتفالات ليقيموا مهرجانات؛ يعلم السوريّون ماذا وراء هذه البهرجانات من سرقات للأموال وإلغاء لفعّاليّات مسرحيّة وثقافيّة حقيقيّة، بحجّة أنّه لا توجد مخصّصات ماليّة!
إلّا إذا أراد أحدهم أن يخترع اسماً آخر، أو يُدخل مديحاً جديداً للقائد ومنجزاته ومسيرته المظفّرة وتحديثاته وتطويراته، ويزيد صفة مقدّسة مبتكرة على ما سبق؛ عندها تهطل الميزانيّات وتُسيّل الأموال، ويتقاطر الفنّانون الوطنيّون الملتزمون ولو كانوا خارج الحدود لأنّ نداء الواجب دعاهم فلبّوا سيّد الوطن، ولا يقتصر الحضور على “الراسخون في التلفزيون” من أمثال دريد لحّام، بل تلبّي رغدا نعناعة من مصر النداء بلهفة مرتميّة على أقرب حذاء عسكريّ، لتدافع – بصدر عار – مع سلاف فواخرجي وسوزان ابنة نجم الدين الصالح وزهير عبد الكريم وغيرهم، عن سيّد وسيادة الوطن.
في حين، تمرّ الأعمال المسرحيّة الهامّة لفرق مغمورة هاوية عمّاليّة أو طلّابيّة – لو سمح بعرضها – دون إعلان صغير ملصق عنها، فيما صور القائد تطمس الجدران وتغطّي الأبنية، وما تبقّى من فسحة للعيون تجد فيها صور عاهر أو عاهرة نالوا موافقة الجهات المختصّة للترشّح إلى مجلس ما سمّي زوراً باسم الشعب، في أعراس المخابرات في مختلف المحافظات.
في مهرجان حمص المسرحيّ السادس عشر، كانت صور القائد (الخالد) منتشرة في كلّ مكان خارج وداخل مبنى دار الثقافة، لكنّ الفرقة المسرحيّة الآتية من محافظة أخرى للمشاركة فوجئت بأنّه لا توجد إضاءة فنّية في المسرح، وقال المسؤول عن المهرجان من قبل نقابة الفنّانين ومنظّمة الطلائع (الرفيق) برّي العواني للفرقة التي طالبت بإضاءة:
“دبّروا حالكم… يمكن إيجاد حلول إبداعيّة”، وأضاف (الفنّان) حسن عكلا الموظّف في المسرح القوميّ: “أنا بساعدكن”.
ردّ عليهما أحد الممثّلين الشباب: ليش ما لقى إلّي أخذ الإضاءة شي حلّ إبداعيّ لنفسه، وترك البرجكتورات بالصالة بدل ما ياخدها؟!” وأمسك الهواء براحة كفّه ثمّ وضعها في جيبه، كإيماءة عن السرقة.
عندما وصل محاسب مديريّة المسارح والموسيقى من دمشق، ووجد نقصاً بأكثر من 80 جهاز إضاءة (بروجكتورات وسبوتات و..) من تجهيزات المسرح، صاح بأعلى صوته: “إذا بكرا ما بترجع كلّها وبتتركّب… بدي جيب الجنائيّة يحطّوكن كلكن ع الفلقة، ومنشوف!”.
أعيدت أجهزة الإضاءة بعد التهديد وتمّ تركيبها، فمن فكّها (سرقها موقّتاً) ثمّ أعادها هو ابن حسن عكلا، لكي يستثمرها في إقامة حفلات ونشاطات تسجّل فيها فواتير إضاءة كبيرة للطلائع والشبيبة برعاية برّي العواني؛ أعيدت إلى أماكنها لكن بعد انتهاء العرض الأخير. وبعد أن نظّر المنظّرون حول إضاءة العرض، إذا يجب – حسب آرائهم – أن توضع إضاءة على طرفي الخشبة مثلاً، وأن تُفتح أخرى من الأعلى، وحتّى عكلا – الأب – تحدّث في النقاش الذي تلا العرض عن التفاني في سبيل الفنّ، أمّا العواني مبعوث النقابات والمنظّمات فدبّج مقالاً ذكر فيه أسماء رجال المسرح العالميّ الكبار في التاريخ، ليظّن القارئ بأنّ له علاقة حقيقيّة بالعمل المسرحيّ، وبأنّه ليس مفروضاً كرجل أمن أو تنفيعة أو تغطية، ونظّر عن كيفيّة الإعداد والإخراج الصحيحين.
لكنّ أغرب نقد في العالم واجه العرض المسرحيّ، جاء من مسؤول المسرح في اتّحاد الطلبة، حين بدأ بنقد العرض قبل أن يحضره! أي أنّه كان في الطريق إلى صالة المسرح، عندما بادر بمجموعة من الأسئلة لمن استقبله في مركز انطلاق الباصات، وكان يعترض على كلّ إجابة ترده على أساس أنّها خطأ مهما كانت، قائلاً بأنّ الصحيح هو العكس.
ولمّا وصل إلى الصالة، طرح نظريّة جديدة في الفنّ قائلاً بأنّ: الثلاث دقائق الأولى من العرض هي الحاسمة، فلو نجح العرض فيها بأن “يمسك” بالمتفرّج! لنجح العمل. ثمّ تحدّث عن أهمّيّة المهرجانات المسرحيّة، وأنّ العروض يمكن أن تتمّ في الممرّات، وأنّ على المسرحيّين عدم الالتفات إلى عدم وجود أيّة أجهزة للإضاءة؛ فعرف الجميع أنّه شريك اللصوص في النقد وفي “التمسّك” بالمهرجانات.
المصدر: جريدة زيتون