أكثر من 100 يوم مرت على كارثة مرفأ بيروت، وما زالت معظم الأبنية المتضررة بحاجة إلى ترميم أو إعادة إعمار، في وقت يزداد قلق أصحابها من اقتراب فصل الشتاء وبرده القارس.
وعلى أبواب الشتاء الأول بعد حادثة المرفأ، يقف المتضررون منتظرين إعادة إعمار بيوتهم، في ظل المشهد السياسي المعقد بالأزمات الاقتصادية والمعيشية.
الأضرار الناجمة امتدت إلى مساحات بعيدة حول المرفأ، حيث قدرت الوحدات السكنية التي تضررت كلياً أو جزئياً بحوالي 85 ألف وحدة، منها منازل ومكاتب، وفق الباحث في الشركة الدوليّة للمعلومات (خاصة)، محمد شمس الدين.
وقال شمس الدين إن “هناك 69 ألف ومئة وحدة سكنية بالمناطق القريبة، وهذه أضرارها كبيرة من الانفجار، و16 ألف بالمناطق البعيدة أضرارها بسيطة مثل تحطم الزجاج”.
وبحسب تقرير أعدته نقابة المهندسين في بيروت وطرابلس، فإن 2500 مبنى تأثروا بشكل مباشر، 300 منها مهدد بالانهيار، و250 معرض للانفصال ببعض أجزائها، و550 فيها تشققات وتحتاج إلى ترميم.
وفي 4 أغسطس/ آب وقع انفجار ضخم في عنبر رقم 12 بمرفأ بيروت، ووفق التقديرات الأولية الرسمية فإنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة “نترات الأمونيوم” شديدة الانفجار، وكانت مُصادرة من سفينة ومُخزنة منذ عام 2014.
“المسؤولون تخلوا عنا”
“ليلى غلام” واحدة من سكان شارع “مار مخايل” القريب من مرفأ بيروت، قالت إن منزلها تضرر بشكل كبير “وقد ينهار بأي لحظة”.
وبدلا من جدرانه المهدمة، استعاضت ليلى بشوادر بلاستيكية من منظمة “يونيسف”، علها تحجب الأمطار عما تبقى من منزلها الذي دعمته شركة محلية بعوارض خشبية، خشية انهياره بالكامل مع اقتراب موسم العواصف.
ومنذ وقوع الانفجار وتتضرر منزلها، اضطرت ليلى لتركه والذهاب للعيش في منطقة جبلية عند أقاربها، فهي لا تمتلك القدرة المادية لإعادة إعماره كما أن المسؤولين “تخلوا” عنها، كما قالت.
أما “آلان شاوول” الذي يقطن في منطقة متضررة بشكل مباشر من الانفجار، فيملك بناء سكنيا من 3 طوابق، لكنه بعد أن تضرر بشكل كبير “أصبح غير صالح للسكن”.
ورغم أن منزله متضرر بشكل كبير ومعرض للانهيار في أي لحظة، فإن شاوول يُضطر للمبيت في إحدى غرفه وسط الركام وأخشاب تدعيم وضعت كي لا ينهار.
ويعيش الآن في منزله الذي تتسرب إليه مياه الأمطار، ولا يحميه سوى شوادر بلاستيكية حلت مكان السقف والنوافذ، كانت تقدمت بها إحدى الجهات غير الحكومية، وفق قوله.
“هل سنبقى مشردين؟”
وأشار “شاوول” إلى أن بناءه مصنف أثريا، حيث تم تشييده قبل نحو 150 عاما، مثل كثير من المباني في تلك المنطقة التي تضررت بشكل كبير، وينتظر أصحابها إعادة تأهيلها.
واستطرد: “عندما نسأل المسؤولين في وزارة الثقافة (المسؤولة عن الأبنية ذات الطابع التراثي) عن موعد الترميم وإعادة الإعمار يجيبون بعدم وجود أموال”.
“كل ما قدموه لنا حتى الآن شوادر بلاستيكية وأخشاب لتدعيم الجدران كي لا ينهار البناء”، قال شاوول، ثم تساءل: “كم من الوقت علينا ان ننتظر، سنة، اثنتان، ثلاثة؟ هل سنبقى هكذا مشردين؟”.
ومن بين آلاف الأبنية المتضررة، هناك 968 بناء تراثياً (تعود إلى القرن الـ19 حتى ثلاثينات القرن الماضي) تضررت بشكل متفاوت، من بينها 360 تضرر بشكل كبير، بحسب وزارة الثقافة المسؤولة عن الابنية ذات الطابع التراثي.
وفي هذا الإطار، قال وزير الثقافة بحكومة تسيير الأعمال، عباس مرتضى، إن الوزارة تجري أعمالا لتدعيم الأبنية المهددة تفاديا لانهيارها، مشيرا إلى إنشاء أسقف معدنية مؤقتة لحمايتها من الأمطار.
وأضاف: “الأزمة كبيرة. إذا لم تُتخذ خطوات جدية على صعيد المؤسسات الرسمية، فإن واجهة بيروت وتاريخها مهدد بالزوال”، داعيا الدول الصديقة إلى تقديم المساعدات المالية “للحفاظ على الإرث الثقافي والحضاري”.
إغاثات غير حكومية
وفي هذا الوقت، تنشط حملات إغاثية لجمعيات مدنية بهدف مساعدة المتضررين، من خلال ناشطين متطوعين من الشبان والشابات يعملون على إسناد أصحاب بعض المنازل.
وقالت غيدا بساط، من حملة “مشاريع ودفا (دفء)”: “استطعنا تقديم المساعدة لنحو مئة منزل متضرر بشكل طفيف من خلال تصليح النوافذ والأبواب لتمكين أصحابها من العودة إليها”.
وأوضحت أن الكثير من المنازل بحاجة لإمكانيات مادية وتقنية هائلة يفوق قدرات الجمعيات”، مشيرة أن “الأمر يتطلب دورا من الدولة ومساعدات خارجية”.
وتسبب انفجار المرفأ بمقتل 200 شخص وأكثر من 6000 جريح، وما يزيد عن 300 ألف مشرد فقدوا منازلهم، وما يزال عدد كبير من العائلات تقيم في الفنادق وأماكن أخرى.
3 مليارات دولار
وبحسب رئيس بلدية بيروت، جمال عيتاني، فإن كلفة إعادة إعمار ما تدمر من الأبنية السكنية فقط (من دون الأضرار الاقتصادية) يقدر بنحو 3 مليارات دولار.
وقال عيتاني: “ننتظر المؤتمر الدولي المخصص لإعادة إعمار مدينة بيروت الذي من المقرر أن يعقد عقب تشكيل الحكومة” المتعثرة أصلا.
وأشار أن “هناك كثير من الجمعيات تلقت وعودا من جهات دولية بمنحها أموالا، لكن ذلك لم يتحقق إلا جزءا منه”، مضيفاً أن “إعادة الإعمار مشروع كبير جداً يتطلب دولاً مانحة”.
وشدد عيتاني على أن “همنا الأساسي اليوم يتمثل في عودة الأهالي إلى بيوتهم المتضررة بعد ترميمها” لا سيما مع دخول فصل الشتاء.
نقلا عن القدس العربي