بدأ فصل الشتاء بمنخفض جوي وأمطار غزيرة تنبئ بطقس بارد في شتى أنحاء سوريا، ورغم أن المطر هو رمز الخير والعطاء إلا أنه ينذر بكوارث إنسانية تطرق باب النازحين السوريين الذي اعتمدوا خيام الأمم المتحدة مأوى لهم بعد أن أجبروا على ترك بيوتهم التي كانت تؤمن لهم الدفء والستر هربا من وحشية الطيران الذي لايعرف شفقة ولارحمة وتسبب بتشريد ملايين السوريين من مدنهم وقراهم.
وعلى باب خيمة مهترئة لا تكاد تستر خلفها فقر حال قاطنيها، يقف إبراهيم ابن العاشرة يراقب هطول المطر ويدعو بصوت مرتجف من البرد ماعلمته إياه أمه:” اللهم صيبا نافعا يا أرحم الراحمين”، ثم يوجه أنظاره لوالدته التي أخذت ترقع ما أمكنها في سقف الخيمة بعد أن بدأ يسرب مياه المطر وتبللت منها، فيقول لها بتذمر بدا واضحا في معالم وجهه :” ماما كل سنة بتقوليلي هي آخر سنة بنشتي بهالخيمة، شتقت لبيتنا، وشتقت نقعد جنب الصوبيا وحس بدفا، شتقت نام بتختي من غير مافيق بالليل ومية المطر تغرقني، ليش نحن هون؟، ولأيمتا رح نبقى؟”.
لم تستطع والدته أن تكمل عملها المعتاد في فصل الشتاء، فاقتربت منه وهي عاجزة عن إيجاد إجابة تقنعه بها أو تعطيه أملا قريبا بتغير حالهم والعيش بكرامة تحت سقف منزل، وقالت له :” مو أنت دعيت تكون هالمطر صيب نافع؟، لهيك لاتزعل والله معنا مابينسانا برحمتو”.
حال إبراهيم وعائلته كحال آلاف النازحين القاطنين في تجمع مخيمات “أطمة” في ريف ادلب على حدود تركيا، طال مكوثهم فيها وهم بانتظار حل قريب ينتشلهم من واقع المخيمات الذي فرض عليهم، فهم لايريدون مساعدات أممية، ولا خياما جديدة بدل المهترئة، ولا محروقات للتدفئة، بل جل همهم أن يشعر العالم بوجعهم للضغط على النظام السوري لإيقاف القصف الممنهج اليومي الذي يتبعه بكافة أنواع الصواريخ ومنها المحرمة دوليا بغازات سامة، ليعودوا إلى بيوتهم علهم ينسوا داخلها معاناتهم داخل الخيام التي تفتقر لأدنى مقومات المعيشة والإنسانية، فلا ماء ولا كهرباء وحتى مدارسها لاتشبه المدارس.
علما أن عائلة إبراهيم من الأسر الميسورة في ريف حلب، وكانت الاشتباكات الدائرة في قريتهم كفيلة بخسارتهم كل مايملكون حتى بيتهم الذي انهارت جدرانه أمام أعينهم وهم داخله فأخرجتهم فرق الدفاع المدني منه بجروح بسيطة، فلم يتبق لهم شيء وماكان أمامهم من خيار سوى قصد إحدى المخيمات الحدودية بعيدا عن القصف.
بعد أن فقد إبراهيم الأمل من إجابات والدته، خرج ليلعب مع رفاقه في الوحل الذي تشكل بعد المطر بعيدا عن أعين والديه، فأخذ يصبر نفسه ويحكي لهم عن منزله الذي لن ينساه قط ولن ينسى ذكرياته في كل زاوية منه، ويقول لهم:” رح نرجع عضيعتنا قريبا، ونرجع نعمر بيتنا ونعملو أحلى من قبل، الله كريم هيك بتقلي أمي”.