هناك تحوّل واضح في سياسية تركيا الخارجية، فأنقرة تبذل الجهود في الداخل التركي، بهدف إنجاز تحوّل ديمقراطي ضروري لها.
قبل ست سنوات، أي قبل أن تندلع ثورات الربيع العربي، كان معدّل التغيير في تركيا أسرع. ولكن، لوحظ بعد الثورات العربية أنّ معدل التغيير في تركيا أقل من محيطها على مدى الأعوام الستة الماضية، فتركيا تحاول أن تحمي نفسها من المسار السلبي للأحداث المحيطة بها، وتعمل، في الوقت نفسه، على الحفاظ على استقرارها، كما أنّها تريد أن تحافظ على النمو الاقتصادي فيها، فتركيا مرّت أو تعرّضت لتدخلاتٍ من حربٍ منخفضة، خصوصاً بعد محاولة الانقلاب أخيراً، كما أنّ حزب العمال الكردستاني زاد الأمور سوءاً، بسبب عودة هجماته على تركيا.
ترى أنقرة بتدخلها في عملية الفرات بأنّها، بلا شك، حقّقت نجاحاً كبيراً ضد تنظيم داعش، إذ تمكّن الجيش التركي بدعم من الجيش السوري الحر من تطهير خط أعزاز جرابلس من تنظيم داعش، كما أنّ أنقرة بعد ذلك تمكنت من الاستيلاء على مدينة دابق، وفي الوقت نفسه، بدأت عملية تحرير مدينة الموصل ضد داعش، وواجهت تركيا أزمة بعشيقة التي بدأتها حكومة العراق، من جرّاء تشجيع طهران وتجاهل واشنطن، والتي تهدف إلى إبعاد أنقرة عن عملية الموصل، لكنّ الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن في أثناء عملية درع الفرات أنّ تركيا ستشارك في العمليات ضد تنظيم داعش في الرقة والموصل، لكن حزب العمال الكردستاني رأى في تصريح أردوغان تهديداً له.
أدى الوضع الجاري في العراق إلى مشاركة أنقرة الضرورية في عملية الموصل، ولم تكن الاعتبارات السياسية لأنقرة هي التي دفعت بها إلى الرغبة في المشاركة في هذه العملية، لكن أنقرة تعتقد أيضاً أنّ الجهات الخطأ قد دُفعت إلى الميدان، ونتيجة لذلك، ترى أنقرة أنّه من المرجح أن تبدأ عمليات الانتقام من السكان السّنة في الموصل، وهذا يعني ترسيخاً للصراعات العرقية والطائفية على المدى الطويل في المنطقة، لكن ولسوء الحظ فإنّ حكومة العراق التي لا تملك القوة ولا الصراحة تدعم تلك الجهود في هذه الناحية.
ومن هنا، وضعت أنقرة دلالات جديدة بشأن أمنها القومي، واعتمدت على عدّة مؤثرات أو بواعث، منها أن تكون قوات أمن تركيا متمكنةً من الدخول في عملياتٍ عسكرية خارج حدودها، كما أنّها أعادت هيكلة جهاز الاستخبارات الوطني، لكي يكون نشطاً في الخارج، كما أنّ تركيا تريد إنشاء قواعد عسكرية خارج حدودها، بالإضافة إلى أنّها تريد تحديث الصناعات العسكرية لديها، فمن هنا يلاحظ سير أنقرة في سياساتها الجديدة، وهي السياسة الاستباقية الحقيقية في السياسة الخارجية، فأنقرة تسير في سياستها الخارجية بدوافع وجودية.
عطا الله شاهين_العربي الجديد