حددت هند في بطاقة الدخول سبب زيارتها لمدينة تامبا بأنه من أجل السياحة، غير أن هدفها الحقيقي من الزيارة كان إنجاب ابنها في الولايات المتحدة وحصوله على الجنسية الأميركية، إذ كانت حاملاً في شهرها السابع، لكن إفادتها بالقدوم من أجل السياحة دفعت ضابط الجوازات إلى الختم على B2 ومنح هند 6 أشهر حداً أقصى للبقاء في الولايات المتحدة.
وتمنح الجنسية الأميركية لمن يولدون على الأراضي الأميركية، ماعدا أبناء الدبلوماسيين وفقاً لما جاء في المادة 1401 من الفصل الثالث من قانون المواطنة والميلاد والذي نص على أن كل من يولد في الولايات المتحدة ويخضع الى الاختصاص القضائي الأميركي فهو أميركي، فيما يحمل أبناء الدبلوماسيين المولودين في أميركا شهادة ميلاد أميركية فقط، وعندما يبلغ أبناؤهم 18 عاماً يمكنهم التقدم للحصول على الجنسية الأميركية إذ لا يخضعون للاختصاص القضائي الأميركي.
وشجع قانون المواطنة والميلاد العديد من مواطني الدول الأخرى ومن بينهم العرب، على القدوم في ما بات يعرف بـ”سياحة الولادة” في أميركا حتى يستفيد أبناؤهم من مزايا الجنسية الأميركية، والتي لخصها ياسر هلال، المحامي المتخصص في قضايا الهجرة في مدينة نيويورك، بقوله في إفادة خاصة لـ”العربي الجديد”، بالاستفادة من مجانية التعليم، والإقامة في أميركا حيث فرص العمل والمعيشة أفضل من معظم بلدان العالم، وبالطبع إمكانية العمل في المؤسسات الحكومية، والحصول على قروض للتعليم الجامعي أو للأعمال الخاصة، بالإضافة إلى قدرة المواطن على إحضار أبويه وأبنائه وزوجته وإخوته للعيش في أميركا والسفر إلى العديد من الدول من دون الحصول على تأشيرة، وحق الانتخاب والترشح، والحماية للرعايا الأميركيين عندما تواجهم مشكلة في بلدان أخرى.
ولم تتناول المحكمة العليا الأميركية قضية تجنيس المواليد غير مرة واحدة، إذ حكمت في عام 1898 بأن الجنسية حق للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأبناء المهاجرين القانونيين الذين لم يصبحوا مواطنين بعد.
وبحسب ما رصده القانوني ياسر هلال، فإن النساء العربيات يفضلن القدوم إلى نيويورك التي توجد خطوط طيران مباشر إلى مطارها “JFK” من العديد من العواصم العربية، بالإضافة إلى سهولة الحصول على التأمين الصحي فيها، والذي يغطي 100% من تكاليف الرعاية الصحية، بالإضافة إلى إمكانية قبوله في جميع المستشفيات الأميركية، وتصل تكاليف الولادة الطبيعية في نيويورك إلى 8 آلاف دولار، فيما تبلغ 15 ألف دولار في حالة إجراء عملية ولادة قيصرية للأم الحامل، وتعد مشافي بروكلين وبرونكس وبلفيو وسانت جوزيف وجبل سيناء من أهم المرافق الصحية التي تلد فيها النساء العربيات، كما يقول هلال.
ويرجع المحامي المختص في قضايا الهجرة تزايد عدد القادمات من الدول العربية للوضع في أميركا إلى عدم الاستقرار السياسي وقلة الفرص الاقتصادية ما دفع الكثيرين للتفكير في بدائل للإقامة لهم ولأبنائهم في المستقبل، لكن المحامي هلال يتوقع أن يحدث تعديل في قوانين الجنسية بالميلاد قريباً، خصوصاً مع حالة عداء إدارة دونالد ترامب للأجانب.
التأمين الصحي للإعفاء من دفع التكاليف
على الرغم من أن هند من عائلة ثرية في القاهرة وتستطيع تحمّل تكاليف الولادة، إلا أنها سرعان ما تقدمت بطلب للحصول على الضمان الصحي الحكومي والمسمي (Medicaid) والذي يمنح مجاناً للمشردين والفقراء والأطفال والمعاقين الموجودين في الأراضي الأميركية، بذريعة أن زوجها لا يعولها، حتى لا تدفع نفقات ما قبل الولادة وما بعدها والتي تبلغ خمسة آلاف دولار للولادة العادية في مستشفى سانت جوزيف للسيدات بمدينة تامبا، فيما تصل إلى سبعة آلاف دولار للولادة القيصرية في ذات المشفى الذي زاره زوجها أحمد صفوت قبل شهرين لوضع ترتيبات عملية الولادة.
وفي 4 ديسمبر/كانون الأول الماضي وصل المهندس أحمد صفوت بتأشيرة سياحة (B2) على رحله لوفتهانزا رقم (482 LH) حتى يكون إلى جانب زوجته هند أثناء الولادة، إلا أن بياناته التي سبق أن قدمتها الزوجة في طلب التأمين الصحي ظهرت أمام ضابط الهجرة في المطار أثناء استكمال إجراءات دخوله إلى أميركا، وخضع للتحقيق والاستجواب لمدة 24 ساعة بعد أن تبين تناقض كلامه مع ما دونته الزوجة في طلب التأمين بأنه لا يعولها، خصوصاً بعدما تحدث إليها بالهاتف، كما لم يقتنع محقق المطار بأن زيارة أحمد الثانية في خلال شهرين كانت بغرض السياحة في المدينة نفسها خلال فترة قصيرة، وبعد انتهاء التحقيقات تم القبض على المهندس صفوت وترحليه إلى فرانكفورت في اليوم التالي من مطار أورلاندو على رحلة (LH 465).
ويكفي أن تذكر السيدة الحامل في طلبها للحصول على التأمين بأن زوجها تركها ولا يعولها وأنه ليس لها مصدر دخل، وإن شهد بذلك شخص ممن تسكن معهم حتى تحصل على تأمين عاجل من البلدية إلى حين انتهاء إجراءات التأمين المقدم من الحكومة الفيدرالية وفق ما ذكرته لـ”العربي الجديد” الطبيبة في مستشفى بلفيو (bellevue hospital) في مدينه نيويورك ميلوني ابراهام.
ويمكن للحامل التقدم بطلب صرف مبلغ مالي عاجل لشراء الطعام والشراب، لتمنح بطاقة بنكية تجدد تلقائيا في كل شهر بقيمة 300 دولار، وتقدم الحكومة أيضا خدمة المواصلات المجانية (logistic care) للذهاب إلى المشافي لكل من يحتاجها ممن يشملهم التأمين الحكومي، بغض النظر عن قانونية وجود الشخص في الولايات المتحدة، وتؤكد ميلوني أن أعداد السيدات الشرق أوسطيات القادمات للولادة تزايد في السنوات الخمس الأخيرة، إذ لاحظت خلال عملها في المستشفى عشرات الحالات من القادمات من أجل سياحة الولادة في أميركا.
وعقب الولادة يدخل الطفل تلقائياً في نظام الرعاية الصحي الحكومي، فيما يسقط التأمين الحكومي عن السيدة الحامل بمجرد أن تضع وليدها، وتضيف الدكتورة ميلوني بأن هناك مكتباً في كل مستشفى لمساعدة الحامل في إجراءات الحصول على التأمين الصحي والمعونات المالية التي تقدمها الحكومة أو الجهات الخيرية المنتشرة في أنحاء أميركا.
وفي حال عدم الموافقة على طلب التأمين، وهو أمر نادر الحدوث، بحسب ما تؤكده ميلوني، فإن المستشفى تقدم نفس الرعاية وترسل فواتير المستشفى للعنوان المسجل لديها، وهو ما يحدث مع المقيمين بصورة غير قانونية، لكن ينتهي الأمر بإدراج فواتير بملايين الدولارات كديون معدومة في كل عام بحسب ميلوني والطبيب في طوارئ مستشفى لوثرن في نيويورك أيفن أمنزاي والذي رصد 60 حالة خلال مناوباته من اللاتينيات والعرب القادمات من أجل سياحة الولادة.
وتستقبل ميرڤت القادمات من أجل سياحة الولادة في مطار JFK والذي يبعد ثلاث ساعات عن بيتها وتساعدها في استخراج التأمين والحصول على جواز سفر أميركي للمولود، فيما تنصحهن بوجود الزوج عند الولاده حتى لا يتأجل استخراج جواز السفر الذي يتطلب استخراجه وجود الأبوين.
وتقول ميرڤت لـ”العربي الجديد”: “طلبات الإقامة في منزلي مستمرة طوال العام منذ بداية ثورات الربيع العربي، والكثيرات من الراغبات في حصول أبنائهن على الجنسية يعملن مضيفات في شركات الطيران العربية”.
وتزايدت أعداد السيدات العربيات الراغبات في الولادة في أميركا من أجل حصول أبنائهن على الجنسية الأميركية بصورة واضحة لاحظها كذلك محمد خير الله عمدة مدينة بروسبكت بارك في ولايه نيوجيرسي التي تبعد دقائق عن مدينة نيويورك، قائلا في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد”: “قبل عام 2010 كانت الظاهرة مقصورة على الأغنياء والمشاهير، ولكن بعد ذلك تأتي العديد من النساء والكثيرات منهن لا يعدن إلى بلدانهن بعد الولادة وأكثرهن من المغرب، والاْردن، ومصر، والعراق، وسورية ويفضلن الإقامة في مدينته القريبة من نيويورك والأرخص في تكاليف المعيشة”، بحسب ما عاينه، إذ تأتي الكثيرات إلى مكتبه في البلدية للبحث عن معونات نقدية طارئة تقدم للسيدات اللواتي يعشن بمفردهن.
ووثق “العربي الجديد” وجود 10 صفحات نشطة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تعمل على تسهيل إجراءات الولادة في أميركا، وعبر عملية بحث بعنوان “تسهيلات الولادة في أميركا والولادة في أميركا” وثق معد التحقيق وجود عشرات المنتديات التي تشرح كل تفاصيل العملية، ومن بين من لجأوا إلى هذه الصفحات ضابط الشرطة المصري المقدم مازن أحمد (اسم مستعار) والذي أرسل زوجته سهام الحامل بتوأم إلى نيويورك في مارس/آذار الماضي من أجل أن تلد ويحصل أبناؤه على الجنسية الأميركية وفق ما قرأه على صفحات “فيسبوك”.
لا يعد حصول المولود على الجنسية الأميركية ضماناً للأبوين للدخول أو للإقامة في أميركا إلا بعد أن يبلغ الطفل سن الرشد 18 عاما، ويستطيع أن يقدم طلبا للمّ الشمل بحسب ما أوضحه، المحامي هاني بشرى، المختص في شؤون الهجرة في مدينة لوس أنجليس على الساحل الغربي لأميركا، والذي أضاف أنه في حال أراد الأبوان إرسال الطفل للاستفادة من نظام التعليم الأساسي المجاني، يمكنهم إرساله بمفرده على أن تتولى الولاية رعايته.
وأكد بشرى تزايد حالات ولادة السيدات العربيات في أميركا اللواتي يتهرب بعضهن من دفع الفواتير ويعمدن إلى استغلال النظام الصحي الحكومي، وبحسب بشرى فإن ضابط الجوازات لديه صلاحية ترحيل أي سيدة تبدو عليها علامات الحمل بحجة أنها تشكل عبئا ماليا على الدولة.
وذكر بشرى أن السفارات الأميركية في دول الربيع العربي مستنفرة منذ الثورات، إذ سمع عن إلغاء تأشيرات خاصة بدخول المضيفات (C1) وعدم تجديد أي أنواع أخرى من التأشيرات لمن استغلوا نظام التأمين الحكومي (Medicaid)، وهو ما تأكد منه معدّ التحقيق عبر مصادر متطابقة في النقابة العامة للضيافة الجوية والخدمات السياحية في القاهرة، وبحسب المصادر فإن السفارة الأميركية ألغت العديد من تأشيرات طاقم الضيافة C1 ومعها أيضاً التأشيرات السياحية (B1-B2) للعشرات من المضيفات اللاتي استخدمن التأمين الصحي الحكومي وتهربن من دفع فواتير المستشفى أثناء الولادة.
العربي الجديد