ما الذي يدفع بحزب المحافظين إلى اختيار الأربعيني ريشي سوناك صاحب الأصول البنجابية، القادم من أجواء المصارف، ليقود دفة الحكم في أعرق ديمقراطية أوروبية وإمبراطورية كانت لا تغيب عنها الشمس ؟!
في المقابل -حين تكون المقارنة موجعة ومفجعة، نجد زعامات محلية في عالمنا العربي أضحت للفشل عنواناً في كل الملفات، ولا تملك مهارات سوى القرابة من المورث المقبور، أو تملك رتبة عسكرية نجدها مصممة على إغلاق الطرق أمام تطلع الشباب إلى القيادة والحكم، وعلى حد تعبير السيسي حينما انتقد الرئيس الشهيد مرسي (أخد السلم معاه لفوق)، وهو بذاته من أحرق هذا السلم ليمهد الطريق لولايات جديدة له في حكم مصر.
أربعة وأربعون يوماً كانت كافية أمام ليز تراس لتعلن إقرارها بالفشل، وتنسحب بكرامة من رئاسة الحكومة البريطانية، وتفسح المجال أمام دماء جديدة وتفكير شاب للخروج من الضائقة الاقتصادية، على حين يمر على الحاكم العربي 44 سنة من الفشل والانهيارات المتتالية والفساد، وهو لا يزال يرى نفسه أنه القائد الخالد المحنك الملهم الذي سينقذ الجماهير من “تخلفها” و”رجعيتها”، بل يطالب أن يحول هذا الفشل لقصائد مديح وأناشيد وطنية تلحقه إلى قبره وقبر والده.
وعودة إلى سوناك الذي بدأ حياته العملية بعد تخرجه من جامعة أكسفورد وحصوله على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، حيث عمل محللاً في شركة مالية ثم تم اختياره مرشحاً لحزب المحافظين لمجلس العموم، وبين عامي 2015 و2017 كان عضواً في لجنة اختيار البيئة والغذاء والشؤون الريفية، وفي 2018 تم تعيينه في أول منصب وزاري له كوكيل دولة بوزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي، بعدها تولى سوناك منصب وزير الخزانة في شباط عام 2020واستطاع إدارة اقتصاد المملكة المتحدة بمهارة ونجاح، خلال أزمة جائحة كورونا
سلسلة من النجاحات المتتابعة جعلت منه مرشحاً مؤهلاً لشغل منصب رئيس الحكومة، ورفعت من رصيده في حزب المحافظين متجاوزاً تحديات اللون والأصول غير البريطانية.
أما في عالمنا العربي المبتلى بزعامات البالون فملف الترشيح للرئاسة لا يمت بصلة إلى المهارات أو الخبرات المكتسبة، أو الصعود التدريجي في سلم المسؤوليات بل وراثة متخفية بشكل جمهورية أو ملكية استبدادية، ضمن النطاق الضيق للأسرة الحاكمة التي عادة ما تضييق أكثر لتنحصر في الابن فقط.
أولى ضحايا هذه الآلية غير العقلانية لاختيار الرئيس هي الخبرات والإمكانيات التي يجب أن يتمتع بها الشخص، ليتم ترشيحه للمنصب وهو ما يدفع لإعادة تفصيل المنصب نفسه حسب الوارث، كما حدث في سوريا عندما تم تعديل الدستور في ربع ساعة، ليناسب عمر القاصر حينها، ولتدخل سوريا مرة ثانية في عقود من الجهل والتخلف والفساد كما كانت في عهد الأب.
نحن نعيش في سيرك مضحك مبكي عندما نقارن أوضاعنا السياسية بما يحدث في الدول الأخرى، والمعضلة الكبرى أن هذا السيرك لايزال يقدم عروضه المخزية منذ عقود، وسط تصفيق “المطبلين” و”المزمرين” من الإعلام والمرتزقة.
محمد مهنا – مقالة رأي