من أكثر العبارات التي يرددها السوريون الذين وصلوا إلى أوروبا كلاجئين، أنهم غير “مبسوطين”… فما السبب ..؟ هل انتقلت عدوى الاكتئاب التي تسود تلك المجتمعات إلى السوري .. أم للسوري أسبابه الخاصة التي تجعله يضيف سبباً آخر للاكئتاب ..؟
أوروبا أرض الأحلام ولكن…؟!
يقول يوسف: “قبل وصولي إلى السويد كنت أعتقد أن أوروبا هي أرض الأحلام، لكن فترة الانتظار الطويلة من أجل الحصول على اللجوء جعلتني أفقد أي إحساس حلو”. ويضيف: “وصلت إلى السويد بتاريخ 29/7/2014، ومنذ أيام بلغني أنه تم قبول لجوئي، لكن حتى الآن لم أستلم أي ورقة رسمية بذلك”.. ويتابع يوسف: “تسعة أشهر وأنا في سجن كبير، تحولت حياتي خلالها إلى صندوق بريد، كل يوم أنتظر ساعي البريد عله يحمل لي قرار الإقامة الذي طال انتظاره”، مشيراً إلى أن لديه زوجة وأطفال في الأردن ينتظرون أن يلم شملهم لكنه يستبعد أن يتم ذلك قبل عامين.
ويختم يوسف متسائلاً: “ضمن هذه الظروف كيف تريدني أن أكون سعيداً ..؟!”
صعوبات التأقلم
أما عدنان الذي وصل إلى ألمانيا منذ أكثر من عام وحصل على اللجوء فيها هو وأسرته، فيرى أن عدم الشعور بالسعادة ناتج عن الصعوبات التي يواجهها السوري في البلدان الأوروبية، بدءاً من اللغة وانتهاء بالروتين القاتل الذي يحكم عمل هذه الدول … ويرى عدنان أن المجتمعات الأوروبية مبرمجة بطريقة غريبة، فكل شيء عندهم بمقدار، بما في ذلك الأكل والشرب واللباس والحركة والكلام والنوم، وهي أمور تحول الإنسان إلى آلة بحسب رأيه.
ويضيف: “هنا لا يوجد صعوبات في الحياة المعيشية ..لا يوجد صعوبات في المسكن والمأكل والملبس والمشرب .. لكن طبيعة الحياة باردة كبرودة الطقس .. تشعر وكأن الحياة كئيبة هنا .. حتى أضواء المنازل خافتة والشوارع خالية من المارة مساء، اللهم إلا من الأضواء الباهرة”.
لجوء قسري
محمد وصل إلى فرنسا مع أسرته لاجئاً منذ نحو عام ونصف، وهو يرى أن الإشكالية الأبرز في عدم سعادة السوري في بلدان أوروبا الراقية تعود إلى أنه لم يختر موطنه الجديد بإرادته، وإنما اضطر إليه قسراً.
وعلى مستوى آخر، يشير محمد إلى أن الأوضاع في سوريا لا تجعلك مستقراً ومرتاحاً أينما تواجدت .. فأنت هنا في كل لحظة تنتظر خبراً مفجعاً قد يفقدك عزيزاً أو قريباً .. مضيفاً: “هذه الحالة لا بد أن تترك أثرها السيء على نفسية الإنسان، وعلى مستوى تفاعله مع المجتمع الجديد الذي وصل إليه”.
وختم محمد: “دعني أقل لك شيئاً، لا غرابة أن يكون السوري غير سعيد في أرقى بلدان العالم ، كونه يحلم بالعودة إلى بلده كل لحظة”.
الكثير من الحرية، القليل من الكرامة
وفي السياق ذاته، يقول عبد الحنان الذي حصل على اللجوء في فرنسا مع أسرته منذ نحو عام، أن السوري لم يهاجر لأوروبا بسبب الجوع والفقر أو بحثاً عن لقمة العيش أو لإشباع غرائز حيوانية، وإنما للحفاظ على كرامته التي تعرضت للكثير من الخطر في دول الجوار .. ويشير إلى أن الحياة في أوروبا صحيح أنه فيها الكثير من الحرية، لكن ليس فيها الكثير من الكرامة أيضاً .. ويوضح: “أقصد هنا، الكرامة بالمفهوم الشرقي للرجل .. وهو مفهوم لا تدركه المجتمعات الأوروبية ولا تعرفه”.
ويرى عبد الحنان أن البعد عن الوطن والأهل والأصدقاء من الأشياء التي تجعل الإنسان بلا روح .. متسائلاً: “فمن أين ستأتي السعادة لجسد بلا روح …؟!”.
اللجوء ثقافة
تقول ألين، وهي فرنسية عملت سابقاً في مجال خدمة اللاجئين، أن اللجوء والهجرة هو ثقافة مجتمعية، حيث أن هناك الكثير من الدول يبحث أبناؤها عن فرص أفضل للعيش في بلدان أوروبا . وترى أن أبناء هذه الدول عندما يصلون إلى أوروبا تشعر أنهم أقوياء ولا يتذمرون بالمقارنة مع أبناء بعض الدول الذين اضطرتهم ظروفهم القسرية للهجرة.
وتضيف: “إن الاستعداد المسبق والتجارب السابقة لأقران مروا بهذه التجربة تلعب دوراً كبيراً في تأقلم اللاجئ في الموطن الجديد… بينما من قادته الصدفة إلى هذا الموطن، يعاني من حالات تعب شديد وصعوبة في التأقلم رغم كل البرامج التي تقدمها الدول الأوروبية لإدماجهم في مجتمعاتها”.
وبالنسبة لوضع اللاجئ السوري ، ترى ألين أن الأمر غير مرتبط بظروف بلدهم السيئة، لأن أغلب من يهاجرون ينطلقون من ظروف شديدة الصعوبة، ويعيشون تجارب قاسية خلال هجرتهم، لكنهم لا يتذمرون كالسوري … وترى أن السوري بحاجة لفترة زمنية أطول من سواه كي يتأقلم ويندمج، لكنها تعتقد أن الأمر غير مستحيل.
فؤاد عبد العزيز – اقتصاد