شكّل مزارعو البرتقال غربي سوريا مؤسسة تعاونية جديدة لبيع محاصيلهم لروسيا على أمل إحياء قنوات التصدير إلى خارج البلاد لتعويض العائد الاقتصادي المفقود.
إن أدخلت كلمة سوريا وأجريت بحثاً عن صور على موقع غوغل فلن تجد سوى صور الحرب والدمار، كأنما لم يكن في البلاد يوماً أراضٍ خصيبة ولا قطاع زراعي مزدهر بصادراته الطازجة الشهيرة من بندورة وبرتقال وتفاح وحيوانات داجنة وماشية.
دمرت الحرب اقتصاد البلاد وأرزاق أهلها، لكن براعم خضراء بدأت تتفتح في قطاع التجارة والإنتاج في البلاد إذ التفت الأهالي إلى الزراعة بغية إعادة بناء مستقبلهم من جديد، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الأربعاء 9 مارس/آذار 2016.
فراس العلي طبيب جراح سوري يعيش في الولايات المتحدة، لكنه يحاول إحياء إرث عائلته التاريخي في زراعة وتجارة البرتقال على الساحل السوري الغربي.
تبعات الحرب
قال العلي “كانت سوريا جميلة مزدهرة، يملك والداي من 200 إلى 300 دونماً من بيارات البرتقال، لكن السوق الوحيدة المفتوحة أمامهم هي السوق المحلية ذات الأسعار الزهيدة. التجارة ميتة في هذه المنطقة وما من أعمال بناء ولا سياحة أو حتى تصفيف شعر وكل ما يخطر على بالك، أعرف أناساً كانوا في السابق أغنياء لكن الدهر أفقرهم، بيد أن المزارعين وحدهم لديهم إمكانية العمل بالتجارة.”
وتسببت الحرب في سوريا بنزوح 6 ملايين شخص من منازلهم وأحيائهم خشية العنف والرعب والاحتلال، وفق المركز السوري للأبحاث السياسية.
وبالإضافة إلى ذلك، وجد البحث الذي أجراه المركز أن 14 مليون سوري تقريباً خسروا موارد رزقهم وأن الناتج القومي الإجمالي للبلاد انخفض عام 2013 إلى 41% من مستواه قبل الأزمة عام 2010.
وتابع العلي “العقبة الكبرى في غرب سوريا ليست الأمن بصورة مباشرة، بل هي خسارة الأحباب والأرزاق والازدحام الشديد الناجم عن النزوح الداخلي، فضلاً عن الضغط المتولد عن ذلك على البنية التحتية.”
ولعل أحد أهم الأضرار التي لحقت بالحركة التجارية أن طرق التصدير البري المتعارف عليها عبر شرق البلاد نحو العراق وأسواق دول الخليج العربي قد سدت جميعها نظراً لاحتلال تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) لها.
العلي أضاف “كل شرق سوريا تقريباً بات خاضعاً لسيطرة داعش، ولذلك توجد خطورة كبيرة على سائقي الشاحنات إن سلكوا الطريق التقليدي عبر العراق.”
وتابع أن غرب سوريا غني بالغذاء بيد أن الأسواق لا تكفي لاستيعاب المنتجات، وقال “داعش آتية لكي تدمر وتحطم، ولذا لن تشتري منا المحصول أو تساعد الاقتصاد. البحر هو المخرج الوحيد الآن أمام التصدير.”
التصدير لروسيا
وهكذا أقنع العلي والده الذي بلغ به السن 80 عاماً بالعدول عن تقاعده عن العمل وإنشاء مؤسسة تعاونية جديدة لزراعة وإنتاج البرتقال من أجل إرساء دعائم التصدير إلى روسيا.
العلي قال إن الطريق يستغرق 4 أيام بحراً وإن أسواق روسيا تعاني نقصاً في البرتقال المورد إليها نظراً للفراغ الناشئ عن حظر استيراده من تركيا مطلع هذا العالم.
ومع أن المؤسسة التعاونية الجديدة لا تحمل اسماً بعد، إلا أنها نجحت في استقطاب عدة مزارعين آخرين في المنطقة أسهموا مع العلي ووالده في جمع مبلغ 250 ألف دولار من الأعضاء بغية شراء مخزن ثمار جديد ومولد كهربائي وآلة تشميع، وهي كلها أدوات ومعدات هامة في سبيل إنتاج برتقال عالي الجودة لائق بالأسواق العالمية.
تقع المؤسسة التعاونية على بعد 14 كم من مرفأ مدينة اللاذقية، بعيداً عن مناطق النزاع الأساسية، ويأمل العلي أن يباشر خط الإنتاج عملية التصدير بدءاً من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وقال إن المشروع سيدعم ويعيل 50 شخصاً ما بين قاطفي ثمار وسائقين وعمال تنظيف وعمال مصنع وإداريين ومحاسبين.
طلاقة العلي في أكثر من لغة وجواز سفره الأميركي ييسران له عملية السفر والتنقل، وبهذا أصبح هو المتحدث باسم المجموعة في الخارج، غير أنه يقول إن إقناع الآخرين بالانضمام لم يكن أمراً سهلاً .
“يعيش الناس هنا في منطقة حرب بلا نهاية تلوح في الأفق، لكن التناقض في الموضوع أن غريزة البقاء على قيد الحياة لديهم قصيرة الأمد، فهم عنيدون وحذرون ولا يرغبون بالصفقات طويلة الأمد. الشيء الوحيد الذي يرون فيه استثماراً طويل الأمد هو حياة أشجار برتقالهم التي وراءها عطاء 15 عاماً.”
ورغم الاضطرابات الكثيرة التي واجهها قطاع الزراعة بسبب الأزمة، فإن هذا القطاع غدا أكثر أهمية من ذي قبل بالنسبة لاقتصاد البلاد حيث يتوقع أن تكون حصته من الناتج القومي الإجمالي قد ارتفعت من 17% إلى 29% بين عامي 2010 و 2015.
دعم أممي
مشروع العلي ممول تمويلاً خاصاًـ لكن مؤسسات غير حكومية عاملة في سوريا تعمل على تمويل مشاريع وبرامج تنمية زراعية مشابهة. فبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP يدعم مشروعين مماثلين منهما مشروع زراعة الفطر في محافظة طرطوس، وهي إحدى الأقاليم المستقرة الهادئة في البلاد حيث استوعبت 450 ألف شخص من المهجرين داخلياً.
وبسرعته النسبية في النمو فقد وفر مشروع زراعة واستنبات الفطر هذا مستوى معيناً من الاكتفاء الغذائي الذاتي فضلاً عن شيء أهم هو توفير مصدر دخل مستقر. فقد وفر المشروع 50 فرصة عمل، وهو يدخل كميات وافرة من المنتج على السوق المحلية.
هناك مشروع آخر يدعمه برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP ألا وهو مشروع زراعة البندورة، حيث زود المشروع 43 من مزارعي البندورة بمادة البولي إثيلين والسماد والبذور من أجل إعادة بناء واستغلال بيوت بلاستيكية مهملة هجرها أصحابها الذين فروا إلى مناطق آمنة لهم، أو أنها أهملت بسبب تعرضها لعواصف أضرت بها فلم يتم إصلاحها.
قبل الأزمة، كانت محافظة طرطوس مركز زراعة البندورة في البلاد بـ 5700 بيت بلاستيكي كانت تنتج 135 طناً كل عام حسب أرقام UNDP ، أما الآن فالعمل متوقف في كثير منها بسبب عدم توافر النقود لشراء مواد البناء والإصلاح خاصة في ظل ارتفاع تكاليف النفقات هذه الأيام.
لكن مع كل هذا يرى العلي أن الأثر الذي ستتركه مؤسسة زراعة البرتقال التعاونية الجديدة على صغره لن يقل عن إنقاذ حياة مجتمع أدرك أنه لا يوجد حلٌّ قريب لمعاناة البلاد.
واختتم العلي بقوله “عندما تعود عليهم الصادرات بالدخل سيشتري هؤلاء الأدوية والمؤن والمعدات ومن بعدها سيدخرون، لكني أظنهم سيخبئون مدخراتهم لأنهم لا يرون نهاية للصراع”.
هافينغتون بوست عربي