يبدو إصرار السوريين على المضي في ثورتهم مدهشاً بعد أن حل بهم من الفواجع والمآسي ما تتصدع له الجبال الراسيات، ويبدو أن بعض دول العالم وجد في الثورة السورية فرصة موائمة لإعادة ترتيب النظام الدولي، فروسيا الصاعدة ضد نظام القطب الواحد سارعت بالعودة إلى الحضور الدولي القوي بعد أن أهملها الأميركان والأوروبيون وراحوا يعاقبونها كما يعاقبون دولاً ضعيفة! وأما إيران فقد جاءتها الفرصة النادرة لإعلان طموحها الإمبراطوري الفارسي بعمامة إسلامية، ولاستعراض مكانتها العسكرية في المنطقة! وقد بدت الولايات المتحدة أضعف من أي توقع في عهد أوباما، وبدا الاتحاد الأوروبي نفسه مرتبكاً قلقاً من تصاعد حضور بوتين ومن غموض الموقف الأميركي. وأما الجامعة العربية فقد دخلت في موت سريري، على رغم كون انتصار النظام على الشعب ستكون له تداعيات كارثية على الأمة العربية كلها، لأنه سيعني انتصار إيران وامتداد نفوذها إلى عمق المتوسط، فضلاً عن خطر تطويق الأمة من الشمال إلى الجنوب. كما أنه يعني أيضاً بقاء مشكلة اللاجئين معلقة بلا حلول، فلا أحد من ملايين السوريين اللاجئين والنازحين يطمئن إلى العودة إلى دياره وتسليم نفسه لنظام سينتقم من كل من خرج ضده. ومن المفارقات أن النظام أعدم أربعة سوريين عادوا إلى سوريا من إحدى الدول العربية لأنهم وضعوا علامة (إعجاب- لايك) على منشور مضاد للنظام في الفيسبوك! والمفجع أن حالات التوحش صارت عادية في معاقبة خصوم النظام.
وإزاء غياب الإرادة الدولية عن إيجاد حل للقضية السورية، والتحول إلى إدارة الصراع بدل البحث عن حل له، وبعد التحولات الكبرى في المواقف الدولية من القضية السورية، وإلهاء المعارضة بمفاوضات جنيف العبثية، والانتقال الصوري إلى مفاوضات آستانة، أصاب المعارضة وهنٌ سياسي، كان بعضه انعكاساً للخسارات العسكرية التي ألحقتها روسيا وإيران بقوى الجيش الحر الذي سبق أن خاض معارك ضد «داعش» وضد كل التنظيمات المتطرفة وفقد الكثير من قواه، دون أن يتمكن من تعويضها بسبب انقطاع الدعم. وقد رفض المطالب الدولية بأن يتوقف عن الدفاع عن الشعب وأن ينضم إلى جيش النظام وينصرف لقتال «داعش» وحدها، منهياً معركته مع الاستبداد باستسلام كامل! وقد تفاءلت المعارضة بعد وصول الرئيس ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة عسى أن تجد موقفاً أفضل وأقوى في مجلس الأمن من موقف الإدارة السابقة، وما تزال المعارضة تنتظر ظهور الرؤية الأميركية، وجدية أصدقاء سوريا في فرض حل سياسي وفق القرارات الدولية. وقد حاولت موسكو كما هو معروف أن تنقل المفاوضات إلى آستانا، وأن تبعد عنها الهيئة العليا للتفاوض كي تتخلص منها ومن مظلة مجلس الأمن، ولكن المعارضة ودول أصدقاء سوريا ظلوا متمسكين بشرعية جنيف، وسيتابعون الإصرار على مسار التفاوض السياسي دون أن يؤثر ذلك على مسار العمل الثوري. وحسبنا ما نجد من المقاومة الوطنية المدهشة في درعا اليوم وهي تصد جيوش إيران ووحشية «داعش» والطائرات المعادية تقذف الحمم والبراميل المتفجرة. وقد تمكن الجيش الحر في درعا أن يفشل المخطط الفارسي في الاستيلاء على الجنوب السوري، وهو مستمر في المعركة، رغم أنها غير متكافئة. كما أن القوى الوطنية السورية في الشمال تشارك بقوة في تحرير المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، وكنا نصرّ على أن تشارك قوى الجيش الحر في هذه المعارك، ولاسيما أن الجيش الحر هو أول من واجه «داعش» ووقف ضد كل تطرف وإرهاب.
ولكن السوريين جميعاً يشعرون بأنهم في متاهات البحث عن حلول، فلا أمل عندهم في إيجاد حل في جنيف مهما ثابرت هيئة التفاوض لأنها لا تجد من تفاوضه بل إن المفاوضات مع النظام لم تبدأ بعد، ولن يتنازل النظام عن شيء وهو طليق لا أحد يحاسبه وعنده دعم بلا حدود. والسوريون يستنكرون مفاوضات آستانا التي ازداد التصعيد العسكري بعدها بدل أن ينخفض، كما أنهم يشعرون بضعف حضور الائتلاف وحاجته إلى إصلاح جذري. وبعضهم يبحث عن بدائل ويطالب بوجود جسد ثوري جديد، وقد اشتعلت وسائل التواصل بحوارات ساخنة تعبر عن حالة من القلق الوجودي، ولكن ما يحمي السوريين من الضياع في الشتات عبر تغريبة يخشون أن تطول، هو وعيهم لكون الانكسار خروجاً من التاريخ والجغرافيا معاً، ولكون الانتصار انتصار بقاء ووجود وليس مجرد انتقال سياسي.
رياض نعسان أغا