حذر ناشطون سوريون من تدهور الحالة الإنسانية في بلدتي مضايا وبقين شمال غرب دمشق، واللتين نزح إليهما غالبية أهل مدينة الزبداني، حيث تفرض قوات النظام، والمليشيات الطائفية، حصارا مطبقا عليهما منذ أكثر من خمسة أشهر، رغم توقيع اتفاق هدنة أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بينها وبين فصائل المعارضة السورية المقاتلة داخل المدينة.
ويؤكد ناشطون أن آلاف المدنيين في وضع يكاد يصل حدود الكارثة الإنسانية، حيث بدأ بعضهم بتناول العشب وأوراق الأشجار من شدة الجوع؛ في ظل منع قوات النظام دخول أي مساعدات إغاثية.
وذكرت تنسيقية مدينة الزبداني على صفحتها على “فيسبوك” أن آلاف المحاصرين “يعانون من الجوع، وانعدام المواد الغذائية والطبية والمحروقات، وسُجلت العديد من حالات الوفاة بسبب سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن”، كما بدأت تكثر حالات إغماء بين الأطفال نتيجة الجوع الشديد، وانعدام الحليب في الأسواق، والتي إن وجدت تباع بأسعار خيالية، حيث بلغ سعر كيلو الأرز، وفق ناشطين، 70 دولارا أميركيا.
وحاول بعض المدنيين في مضايا قبل يومين النجاة بأنفسهم من الحصار؛ إلا أن الألغام التي زرعتها قوات النظام حول المدينة حصدت أرواحهم.
وانضمت الزبداني، والتي يبلغ عدد سكانها 35 ألف نسمة، إلى المدن السورية الثائرة على نظام الأسد منذ الأيام الأولى للثورة، فكانت من بين المدن التي دفعت ثمن موقفها من دماء أبنائها، حيث تؤكد تنسيقية المدينة أن 739 قتلوا خلال سنوات الثورة، وأن هناك 2500 معتقل في سجون النظام بينهم 200 معتقلة، قضى منهم العشرات تحت التعذيب، وتعرضت المدينة لدمار شبه كامل جراء القصف المتواصل من طيران جيش النظام ومدفعيته.
وفي شهر فبراير/شباط 2012، حاول جيش النظام اقتحام المدينة، ولكنه جوبه بمقاومة من أبنائها، فبدأ بمحاصرتها من خلال 200 نقطة عسكرية تحيط بها وتمنع دخول المواد الغذائية والمحروقات، فيما بدأ الطيران بإلقاء البراميل المتفجرة على المدينة بدءاً من الخامس من يونيو/تموز 2012، ومنذ ذاك التاريخ لم ينقطع سقوط البراميل المتفجرة عن المدينة “فلم يبق فيها حجر على حجر، ودمرت البنية التحتية نهائياً من مدراس ومشاف وطرقات”، وفق تنسيقية الزبداني.
وقال الناشط الاعلامي محمد أبو يوسف، من تنسيقية المدينة، لـ”العربي الجديد”: “لم يتوقف القصف عن المدينة يوماً واحداً خلال أربع سنوات، إلا في أوقات الهدنة التي طالما خرقها جيش النظام في نية مبيتة، وواضحة لإبادة المدينة بمن فيها”.
وحاولت قوات النظام منتصف العام الجاري، اقتحام المدينة من عدة محاور بعد حملة قصف متواصلة بالبراميل المتفجرة والمدفعية الثقيلة، إلا أن المدافعين عن المدينة صمدوا ما يقارب الثلاثة أشهر (87 يوما) محققين انتصارات على القوات المهاجمة التي خسرت عشرات العناصر.
يقول أبو يوسف: “كان أمل المهاجمين السيطرة على المدينة في عدة أيام بعد إرهاقها بالقصف والحصار، وكانوا يحاولون اقتحامها من أربعة محاور تحت غطاء من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي، وكان الثوار ينبتون من تحت الأرض ويصدونهم”.
وأضاف: “عندما فشلوا في اقتحام الزبداني؛ بدأوا الانتقام من أهالي الثوار النازحين إلى بلدتي مضايا وبقين حيث تم حصارهم، ومُنع دخول المواد الغذائية والأدوية ومُنعوا من الخروج منهما ودخلتا في مجال قصفهم بالمدافع والدبابات والبراميل المتفجرة، واستشهدت عائلات بأكملها، ولم يكتفوا بهذا بل باتوا يهجّرون أهالي الزبداني قسرياً من مناطق نزوحهم في البلدات المجاورة والتي تقع تحت سيطرة النظام إلى بلدتي مضايا وبقين، ليقتلوهم بالقصف ومن نجا منهم يموت جوعاً”.
وأكد أبو يوسف أن اتفاق الهدنة الذي يقضي بوقف القتال وخروج الثوار والجرحى إلى إدلب ودخول المواد الغذائية والمعونات الإنسانية إلى بلدتي مضايا وبقين، لم يطبق، ولم تدخل المعونات سوى مرة واحدة برعاية الأمم المتحدة إلى الزبداني وبلدتي مضايا وبقين في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول.
وأوضح أن البلدتين ما تزالان تستقبلان المهجرين من أهل الزبداني، حتى أصبح عدد المحاصرين داخلهما 40 ألف نسمة، منهم 20 ألفا من الزبداني يعانون من الجوع وانعدام المواد الغذائية والطبية والمحروقات، وقد بدأ الشتاء وسُجلت العديد من حالات الوفاة بسبب سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن.
المصدر: العربي الجديد