ينخفض اهتمام مرشحي الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية بالقضة السورية في المناظرة التي جمعتهما أخيراً، ويتلاشى الحديث عن مصير الأسد تماماً في مقابل التركيز على مكافحة تنظيم داعش. يستنفد الرئيس باراك أوباما، مع بقية مسؤوليه، قواميس اللغة، لاستخراج ما يؤكد نفاد صبر واشنطن التي هدّدت بوقف المباحثات المعلقة بخيط وشيك الانقطاع مع موسكو، مع إجراء تحريضٍ يائس للحل الدبلوماسي، يشير فيه أوباما إلى جديّة ما سيقوم به من خلال “اللجوء إلى جميع الإجراءات الممكنة”، بما ينفع فقط للتداول الإعلامي والدبلوماسي، خصوصاً أن أوباما على بعد مئة يوم من مغادرة البيت الأبيض.
يزيل اجتماع الأمم المتحدة الذي دعت إليه دول غربية العبء عن كاهل العرب الذين لم يتوّرطوا بعقد جلسةٍ عاجلةٍ، ريثما تنجلي الرؤية، وتوكلت دولة الكويت مهمة الدعوة المتأخرة إليها. ويعكس المناخ العام المهيمن على القضية السورية بوضوح غياب الدورين، العربي والإقليمي، الضروريين لوقف الأعمال العدائية الروسية والأسدية. وإذا تذكرنا أن الكارثة الإنسانية الجارية في حلب لا تبتعد كثيراً عن تخوم تركيا، الدولة التي لطالما توعّدت بحلولٍ جزئيةٍ أو نافذة للحل، سنستغرب انحسار الدور التركي الذي اقتصر على ترتيب ملاذٍ آمن داخل الأراضي السورية لمواجهة خطر النزوح الحلبي المتوقع في ظل التمسّك الروسي بضم حلب كاملةً لدويلة الأسد المنشودة.
تصرّ موسكو، بلا كلل، على أن اتفاق وقف النار لا زال قائماً، وتنهي المقاتلات الروسية جولاتها التي تفتك بالمدنيين، ثم تعود موسكو، من خلال الديبلوماسية، إلى التأكيد على ضرورة الفصل بين كتائب المعارضة المعتدلة وتلك المتطرّفة (جبهة النصرة سابقاً)، وفي الوقت نفسه، ترفض روسيا التهديدات الأميركية شبه المباشرة من خطر إسلاميين متشدّدين، محتمل قيامهم بهجوم عكسي في عمق الدولة الروسية. وهذا أمرٌ اعتبرته موسكو دعوةً مباشرة للمتشدّدين، من الناطق باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، ليقصدوا روسيا في محاوَلةٍ لزيادة ضغطٍ يهدف إلى فرملة الدعم الروسي للأسد. تؤخذ التصريحات الأميركية، عادةً، بجديةٍ مطلقة، حيث لم تكن الإشارة إلى غرق روسيا في المستنقعين، السوري والأوكراني، إلا بداية الغيث، فقبل أسابيع، بشَّر معهد دراسات أميركي بتنظيم إرهابي جديد، لا جغرافيا محدّدة له، سيلي انهيار “داعش”، لكنه أكثر خطورة منه، لأن ضرباته ستكون مركّزة على أهداف حيوية وذات تأثير نافذ. واليوم يحدّد كيربي وجهة هؤلاء الإرهابيين، فيرجح أنها ستكون روسيا.
يرى الأسد في حليفه الروسي ما يراه الجائع في جرّة العسل. لكن، بعكس الحكمة، فالأسد يحاول استثمار آخر قطرة عسل، ويفتح قاعدة حميميم العسكرية لأنواع جديدة من القاذفات الروسية، لا يعلم أحد بنود اتفاق تأدية ثمنها. أما المعارضة التي لم تحضر ولادة الاتفاق، فلا تملك إلا أن تراقب ما سيقدّمه المجتمع الدولي، وربما أتى مقتل وزير الإدارة المحلية في حكومة المعارضة السورية، في درعا، في أثناء اجتماعٍ له، إشارةً أو تأكيداً على أنه من غير المسموح للسوريين إنشاء أي جسمٍ مدنيٍّ أو عسكريٍّ من دون الرجوع لإحدى الدول التي تنوي اقتسام النفوذ على الأرض السورية.
يزيد عدّاد الشهداء من سرعته، لتضاف إلى قوائم المنظمات التي تعنى بالشأن الإنساني أعدادٌ جديدة، تصنف إلى فئات خاصة بالمقتولين من النساء والأطفال ما يملأ السجلات بأرقام من فئة الخمسة أصفار، تزيد عار المجتمع الدولي المشغول بالقلق والصدمة.
وتمتلك الولايات المتحدة إمكانية الصبر على الحصرم الشامي، حتى يغدو عنباً فهي ما زالت تؤمن بعدم جدوى التدخل جدّياً، ويعبر وزير الخارجية جون كيري في لقائه مع صحفيين ومعارضين سوريين عن ضعف ذات اليد، ويدير حديثاً لا ينطوي على وعودٍ تُلزم بلاده بتقديم أي شكل للدعم، ويُستثمر عامل الوقت أميركياً مع زيادة حنق المجتمع الدولي على الإجرام الروسي فوق حلب، والذي قد يُنضج خطة فعَّالة تلحق بالروس ضربة قاضية، من دون خسائر أميركية تذكر.
العربي الجديد – فاطمة ياسين