تعيش الجبهة الجنوبية في سورية، والتي تشمل أساساً محافظتي درعا والقنيطرة، منذ فترة هاجس تكرار أحداث الشمال السوري في الجنوب، أي سيطرة “جبهة النصرة” على الساحة الجنوبية عبر ابتلاع أو إضعاف القوى الأخرى التي تصنف نفسها كجيش سوري حر أو قوى ثورية. وهذا الهاجس لا يشمل القوى الأخيرة وحسب، بل يمتد إلى الأردن وربما قوى إقليمية أخرى لا تريد أن ترى “النصرة” على حدودها.
وتأتي المواجهات الأخيرة بين فصائل الجيش الحر و”النصرة” في محافظة درعا في أساس هذه المخاوف، فضلاً عما تقول تلك الفصائل إنه تمادٍ من “النصرة” في ممارسات غير مقبولة تجاه السكان وتجاه مقاتلي الفصائل الأخرى.
يقول الرائد أبو عبد اللطيف من “جيش اليرموك”، إن عناصر “النصرة” زادوا تجاوزاتهم في الفترة الأخيرة بحق المواطنين ومقاتلي الجيش الحر، وباتوا يحاولون التدخل في كل شؤون الناس اليومية، تارة بحجة تطبيق الشرع وتارة لأهداف شخصية، ولم تكن حادثة المرأة في درعا البلد التي اعتدوا عليها الوحيدة في هذا السياق، بل سبقها العديد من الحوادث المشابهة، حتى بات مرور المواطنين على حواجز “النصرة” أمراً خطراً يتجنّبه أغلب الناس.
ويلفت اللطيف، في حديث لـ “العربي الجديد”، إلى أن هذه التجاوزات لا تقتصر على المواطنين المدنيين، بل تطال أيضاً المقاتلين من الفصائل الأخرى، الذين تعرّض الكثير منهم للاعتقال عبر الحواجز، أو من خلال المداهمات التي يقوم بها عناصر الجبهة للمواقع والبيوت.
ويوضح أن غالبية أعضاء “النصرة” هم من أبناء منطقة حوران، لكن القيادة المسيطرة في التنظيم أغلبها من المهاجرين وخصوصاً من الأردن، وبالتالي لا تتبنى أهداف الثورة السورية، وتصر على الارتباط مع تنظيم “القاعدة”، وتعتبر تحالفها مع الفصائل الثورية الموجودة على الأرض مرحلياً، ولن تتوانى عن التفريط به حالما ترى الفرصة مواتية.
ويؤكد اللطيف أن مقاتلي الجبهة الجنوبية التابعة للجيش الحر لا يقل عددهم عن 35 ألف مقاتل، مقابل أقل من ألفي مقاتل من “النصرة” في عموم الجنوب السوري، ويتحالفون مع حركة “المثنى” المتطرفة والتي تعد بالمئات، موضحاً أن الجبهة لم تعد موجودة تقريباً في عموم المنطقة الشرقية من محافظة درعا، ويقتصر وجودها على غربي المحافظة وصولاً إلى محافظة القنيطرة.
من جهته، ينفي المتحدث باسم “الجبهة الجنوبية” الرائد عصام الريس، وقوع أي اقتتال بين الجيش الحر والنصرة، لكنه يستدرك بالقول إنه “في السابق كنا نتجاوز عن انتهاكات النصرة على أساس أن الجهد يجب أن يكون باتجاه النظام، ولا وقت للمعارك الثانوية والمناطقية، لكن صبر فصائل الجبهة الجنوبية نفد، خصوصاً عندما اعتدت النصرة على امرأة كبيرة في السن، واعتقلت قياديين ميدانيين من لواء توحيد الجنوب”.
ويشير الريس إلى أن “هذه التجاوزات تكرّرت كثيراً، خصوصاً اعتقال أشخاص من دون تهمة شرعية أو قضائية، إضافة إلى اعتداءات على المواطنين، فأصدر فصيل من الجبهة الجنوبية بياناً أوضح فيه موقفه من العمل مع النصرة، وتتالت كل الفصائل للتوافق مع الفصيل ببيانات من العبارات نفسها، وأفرجت النصرة عن القياديين بعد نحو ست ساعات”.
ويشدّد الريس، في بيان نشره على صفحته في “فيسبوك”، على أن “البيانات التي أصدرتها الفصائل ليست إعلان حرب؛ بل هي توضيح لرفض الفكر التكفيري أكان من النصرة أو داعش أو غيرهما”، مؤكداً أن “الجيش الحر لم يكفّر ولم يهدر دماً ولم يحلّل القتال مع النصرة، ولكن في المقابل كانت الأخيرة وفق خطاباتها وكلام الأمراء فيها، تهدر الدماء وتكفّر الجميع على قاعدة أن كل من لا يؤمن بفكرها فهو كافر”.
“جبهة النصرة” التي التزمت الصمت حيال هذه الحملة ضدها، والتي تعتبر أوساط مقربة منها أن هدفها استرضاء قوى إقليمية ودولية، كشف مصدر عسكري تابع لها عن تنسيقٍ مشترك لتشكيل “جيش الفتح” في درعا، على غرار إدلب، وقال إن “النصرة” ستكون أحد العناصر الفاعلة فيه، من دون أن يوضح تفاصيل أكثر حول الموضوع.
كما بثت شبكة مراسلي “المنارة البيضاء” التابعة للجبهة مقطعاً مصوراً، يظهر إفراج النظام السوري عن امرأة سورية من عائلة المسالمة في محافظة درعا، بعد مبادلتها من قبل “النصرة” بعسكري من الجيش النظام، وذلك فيما يبدو كرد عملي من الجبهة على الاتهامات الموجهة إليها بشأن ضرب امرأة من عائلة المسالمة.
المصدر: العربي الجديد