حفر عميقة بعمق سنوات القتل والتشرد وآلامها، تحتضن الجثة تلو الجثة، لا تكترث ذرّات الرمال فيها لمن يوضع عليها، سواء كان طفلاً فقد عينيه، أو أم دفنت مع جنين يلتصق بأحشائها، أو حتى شيخ قُطعت جميع أطرافه. تمتص تلك الذرات قطرات الدماء، وكأنها ترتوي من نهر اليرموك، وتفتت العظام لتفسح المجال لمزيد من الجثث التي لم تجد لنفسها مكاناً ترقد فيه بسلام بعيدا عن الكيماوي وعنجهية الأسد .
في قلب الشام، سورية النزيف الذي يأبى الانقطاع، تحتضر القلوب من مشاهد الموت السحيقة التي باتت تعاش كل ثانية، فمن لم يفقد ابنه اليوم يفقد غدا أخاه أو أمه أو نفسه أو جزءاً منها، ليصنف بعدها ضمن قائمة “ذوي الاحتياجات الخاصة”، وأي احتياجات تلك التي يطلبها من فقد سمعه أو بصره أو أعضاءه، سوى أن ترد إليه، ليعود للحياة .
أصوات الباطل وأصوات المدافع والرشاشات كلها تنخر آذان الأبرياء، فلماذا تلوّث تلك الطبلات بجراثيم ينشرها رئيس أسدي، بتفكير عقيم، لا يهمه سوى ذلك الكرسي المرصّع بالذهب، ولماذا تكبل الأيادي الشريفة بقيود روسية بوتينية ليس لها حق التطفل على تراب مبارك ارتوى بدماء الشهداء، دماء الثورة والصحوة.
ما نعيشه اليوم في بلادنا العربية يصرع العقل، تُستقبل التدخلات المتآمرة بالترحيب، بل والتصفيق الحار بعد المرور على سجادة حمراء من صنع إيران، ومدرّجات بإسمنت ألماني، ومكيّفات روسية، وشاشات التلفزة الأميركية تعرض آخر اجتماع لمجلس الأمن، وكعادته، يعرب بان كي مون عن قلقه بعد كل جريمة دنيئة يحدثها مجلسه.
بعد هذا كله، نتساءل: إلى متى سيظل السوري معذباً في وطنه، مشرّداً يذل في بلاد ميركل التي تشفق عليه بابتسامة ماكرة، فهي ترى فيه سبيلاً لإنقاذ بلادها من شيخوخةٍ مبكرة، وخلل ديموغرافي قد يهلكها مستقبلا؟
العربي الجديد – دينا احمد