يسيطر التشاؤم على المشهد السوري في ظل تراجع نسب التفاؤل بإمكانية المضي قدماً في العملية السياسية الهادفة إلى إيجاد حل سياسي في سورية، مع إعلان فصائل المعارضة السورية المسلحة في بيانها، يوم أمس الأول الأحد، أنها تفكر جدياً بالانسحاب وبشكل كامل من العملية السياسية. وأتبع الائتلاف السوري المعارض إعلان الفصائل ببيان أعلن فيه دعمه موقفها. كما تشير المعطيات الميدانية إلى أن النظام السوري وحلفاءه ليسوا في وارد “الجنوح للسلم”، وأن الحسم العسكري هو الخيار الوحيد أمامهم في الوقت الراهن. وقد دفع هذا الأمر المعارضة السورية إلى الإعلان عن عدم ثقتها بإمكانية نجاح التفاوض في حال قررت العودة إليه مرة أخرى.
واعتبرت فصائل المعارضة المسلحة في بيانها الذي حصلت “العربي الجديد”، على نسخة منه موقّعة من تسعة وثلاثين فصيلاً مسلحاً معارضاً، أن اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي تم إعلانه قبل نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، أصبح بحكم المنهار تماماً.
وأمهلت الفصائل الأطراف الراعية للاتفاق ثمانٍ وأربعين ساعة لإنقاذ ما تبقى منه وإجبار نظام بشار الأسد على الالتزام به ووقف هجماته على مدينة داريا في ريف دمشق ومناطق غوطة دمشق الشرقية، فيما استبقت وزارة الدفاع الروسية، انتهاء مهلة المعارضة، بالدعوة مساء أمس الإثنين إلى هدنة في الغوطة الشرقية وداريا لمدة 72 ساعة اعتباراً من الدقيقة الأولى من اليوم الثلاثاء.
وكانت فصائل المعارضة قد هددت في بيانها باستخدام كل الإجراءات المتوفرة وعلى جميع جبهات القتال إلى حين وقف نظام الأسد هجماته وعودة قواته إلى مواقعها قبل بدء الهجوم على داريا في الرابع عشر من الشهر الحالي. وقال بيان الفصائل: “العملية السياسية باتت في مهب الريح جراء أفعال النظام، التي تجعل الفصائل يفكرون بالانسحاب من أي عملية سياسية عقيمة ليس لديها أية آليات للتطبيق وتعطي غطاء لاستمرار الأسد وحلفائه بارتكاب المزيد من المجازر”.
موقف الفصائل لاقى تأييداً من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي أعلن في بيان، مساء الأحد، دعمه القرار الذي اتخذته الفصائل العسكرية وقوى الجيش السوري الحر بخصوص اتفاق وقف العمليات العدائية، مشدداً على مشاركته الفصائل موقفها ودعمه الكامل لمطالبها، ومساندته لها في ذلك من دون تحفظ. وحمّل الائتلاف “مسؤولية انهيار الاتفاق وكل ما يترتب على ذلك، لنظام الأسد وحلفائه الذين انتهكوا الاتفاق وسعوا لخرقه بكل وسيلة ممكنة من دون أن يترتب على ذلك أي موقف دولي جاد”.
وتواصل قوات النظام إلى جانب المليشيات التي تساندها، التقدّم في غوطة دمشق الشرقية مستغلة “حروب الإخوة”، بعدما تسبّب الصراع الدائر بين فصائل متعددة تسيطر على الغوطة، إلى طردها من قرى وبلدات عدة، خلال الأيام الماضية، مقابل تقدّم قوات النظام، ما ينذر بتغيّر المعادلة العسكرية في المنطقة، الأمر الذي ينعكس سلباً على موقف المعارضة التفاوضي.
كما لم تهدأ الآلة العسكرية للنظام وحلفائه، ولا سيما في غرب العاصمة دمشق، إذ ارتكب مجزرة في مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين في محاولة منه لبسط سيطرته على مناطق واسعة في غوطة دمشق الغربية توطئة لبدء هجوم آخر على مدينة داريا أبرز معاقل المعارضة بالقرب من دمشق. كما ارتكب طيران النظام مجزرة، يوم الجمعة الماضي، في بلدة خان السبل بريف إدلب. وواصل قصف ريف حماة الجنوبي وريف حمص الشمالي، ومناطق المعارضة في حلب.
وتتوارد أنباء عن حشود كبيرة لمليشيات تقاتل إلى جانب قوات النظام والقوات الإيرانية جنوب مدينة حلب، إثر هزيمتها في بلدة خان طومان أخيراً. وتشير مصادر إلى أن الحرس الثوري الإيراني يستعد لجولة أخرى لاستعادة البلدة، والمضي في خططه الرامية للوصول إلى بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، المحاصرتين من المعارضة السورية، ونقل المعارك إلى أهم مناطق المعارضة في شمال سورية.
وأجرى حزب الله استعراضاً عسكرياً كبيراً في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة السورية دمشق، قبل أيام، بحضور ضباط كبار من جيش النظام السوري. وقالت وسائل إعلامية مقربة من النظام إن الاستعراض جاء “تكريماً” للقيادي في الحزب، مصطفى بدر الدين، الذي قُتل قبل أيام في دمشق، لكن مراقبين يرون أن الاستعراض “رسالة واضحة من الحزب أنه ماضٍ في الدفاع عن نظام بشار الأسد إلى النهاية”، وأنه لا صحة لما تردد عن نيته الانسحاب من سورية.
من جهتها، تؤكد المعارضة أنها لم تحسم بعد خيارها بالعودة إلى طاولة التفاوض في جنيف في جولة رابعة، من المنتظر، في حال انعقادها، أن تناقش القضايا الأهم، وفي مقدمتها الانتقال السياسي في سورية. وتصرّ المعارضة السورية على أنه لا حل سياسي في سورية مع وجود الأسد في السلطة، وأن تنحيته ستكون الخطوة الأولى في طريق حل ينهي سنوات المأساة السورية.
وفي هذا السياق، يوضح المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات (المنبثقة عن المعارضة)، رياض نعسان آغا، أنه “لا يرى إمكانية تحقيق أي تقدّم في المفاوضات مع النظام”، قبل أن يضيف “لكني لا أستبق قرار الهيئة العليا للمفاوضات”.
وترى شخصيات عدة في المعارضة، تحدثت إليها “العربي الجديد”، أن النظام ليس في نيته إنجاح العملية السياسية مستنداً إلى دعم روسي وإيراني وظروف إقليمية ودولية مواتية. وتتفق هذه الشخصيات على اعتبار أن المجتمع الدولي ترك سورية لـ”النزيف المتواصل”، إذ يستمر النظام السوري إلى جانب القوات الإيرانية في ارتكاب المجازر بحق المدنيين، وتدمير ما بقي من المدن والبلدات السورية.
وتحذر الشخصيات المعارضة نفسها من انزلاق الأوضاع في سورية إلى “مستويات أخطر” ربما تهدد الإقليم كله بالانفجار في حال استمر “التراخي الأميركي” في التعاطي مع الملف السوري، و”تُرك الحبل على الغارب لموسكو”، على حد توصيف هذه الشخصيات.
وتُظهر معطيات عدة أنّ روسيا بدأت التأسيس لوجود طويل الأمد في سورية من خلال إنشاء قواعد عسكرية دائمة في أكثر من منطقة في الجغرافيا السورية. فيما ذكرت مصادر صحافية أميركية، أن الجيش الروسي شرع في بناء قاعدة عسكرية في مدينة تدمر وسط سورية، والتي استعادها النظام السوري، أخيراً، من تنظيم “داعش” بمساعدة من الطيران الروسي ومليشيات تتبع إيران. ونشرت المدرسة الأميركية للأبحاث الشرقية ومبادرات التراث الثقافي، صوراً التقطتها أقمار صناعية تظهر أعمال البناء القائمة على حدود موقع أثري دمره تنظيم “داعش”.
إلا أن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، نفى يوم الثلاثاء الماضي، صحة الأنباء عن إنشاء قاعدة عسكرية روسية، مشيراً إلى أن الجيش الروسي أقام “معسكراً حتى الانتهاء من إزالة الألغام” التي تركها التنظيم في المدينة. وفي سياق متصل، ذكرت وكالة “سبوتنيك” نقلاً عن وزير الموارد الطبيعية والبيئة الروسي، سيرغي دونسكوي، أن شركات النفط والغاز الروسية قد بدأت بتقييم إمكانيات التنقيب في سورية. لكن المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، محمود الحمزة، يرى أن تصريحات دونسكوي “كلام دعائي، ويدخل ضمن الحرب الإعلامية والنفسية، ولا قيمة له”.
كما يعتبر الحمزة أنه من المستبعد عقد جولة من المفاوضات بين المعارضة والنظام في القريب العاجل، مشيراً إلى أن تحسين الأوضاع الإنسانية في المناطق التي تحاصرها قوات النظام والمليشيات ربما يدفع المعارضة للعودة إلى التفاوض. ويعرب الحمزة عن اعتقاده أن شهر أغسطس/آب المقبل سيشهد ما سمّاها “المرحلة الحاسمة” في العملية السياسية. ويعتبر أن “التصعيد العسكري من قبل الروس، هذه الأيام، غايته أن يكسب النظام أوراقاً تفاوضية أقوى تمكنه من عقد اتفاق سياسي يرضيه، ويبقي الأسد على رأس السلطة، وهذا هو مسعى الروس والإيرانيين”، وفق الحمزة.
العربي الجديد