تتجه الأنظار مرة أخرى بدءاً من اليوم الإثنين إلى مدينة جنيف السويسرية التي تستضيف جولة سابعة من المفاوضات حول سورية، وسط انخفاض كبير بمستوى آمال المعارضة بجدوى التفاوض حول مسار الحل السياسي، في وقت يحاول فيه المجتمع الدولي إعادة تعويم نظام بشار الأسد، في نسفٍ واضح لأسس العملية التفاوضية التي نصت عليها قرارات دولية. وفيما يأتي “جنيف 7″ بعد يوم واحد من بدء سريان اتفاق رباعي روسي-أميركي-إسرائيلي-أردني لوقف إطلاق النار في جنوب سورية، فإن علامات استفهام كبرى باتت تطرح بشأن مسار جنيف، والذي فشل في الماضي بإرساء أي أسس لاتفاق سياسي لسورية جديدة من دون بشار الأسد ونظامه. وباتت الاتفاقات الكبرى المتعلقة بسورية يتم التفاهم عليها خارج جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، سواء في أستانة أو في غرف اجتماعات الدول المعنية بالملف السوري، من دون حتى إشراك السوريين بما يحاك لبلدهم. ولا تخفي المعارضة خيبة أمل كبرى بالمجتمع الدولي، على اعتبار أن الحل السياسي بات بعيد المنال، مشبهةً مفاوضات جنيف بـ”ورشات العمل” البعيدة عن التفاوض الحقيقي الذي يهدف إلى إيجاد حلول مستدامة.
وتبدأ اليوم الإثنين الجولة السابعة من مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بين المعارضة السورية والنظام، من أجل إيجاد حل سياسي للقضية السورية قابل للصمود في بلد بات مهدداً بالتقسيم والتشرذم. وذكرت مصادر في “الائتلاف الوطني السوري” لـ”العربي الجديد” أن مدة الجولة الجديدة أربعة أيام فقط، مشيرةً إلى أنه لم يطرأ أي جديد على تشكيلة وفد المعارضة، إذ يترأسه نصر الحريري، مع وجود أليس مفرج نائباً له، وكبير المفاوضين في الوفد، محمد صبرا.
وذكر صبرا لـ”العربي الجديد”، أمس الأحد، أن الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، لم يوزع جدول أعمال الجولة السابعة على الوفدين، فيما أكد عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف الوطني السوري”، عقاب يحيى، لـ”العربي الجديد” أن الجولة السابعة تتضمن استمرار “المناقشات” حول السلال التفاوضية الأربع، وهي: الحكم، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب. وتوقع ألا يتم التطرق إلى موضوع المعتقلين، أو التفاوض المباشر مع وفد النظام كما طلبت المعارضة في الجولة السادسة من أجل التعجيل بالحل. وكان نائب المبعوث الأممي إلى سورية، رمزي عزالدين رمزي، قد أكد في تصريحات من دمشق، عقب اجتماعه مع نائب وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، يوم السبت، أن جولة جنيف السابعة “ستبحث حزم الحلول الأربعة بالتوازي مع مواصلة المشاورات التقنية حول المسائل القانونية، والدستورية المتعلقة بالعملية السياسية”.
وانخفض سقف آمال المعارضة السورية إلى حد بعيد بمسار جنيف التفاوضي بعدما بدأ يراوح مكانه من دون تحقيق اختراق حقيقي، خاصةً على صعيد الانتقال السياسي الذي تعتبره المعارضة جوهر العملية السياسية المستندة إلى بيان “جنيف 1” وقرارات دولية أخرى ذات صلة أبرزها القرار 2218 والقرار 2254، والتي يحاول النظام وحلفاؤه القفز فوقها. وتابع عقاب يحيى أن ما يجري في جنيف ليس تفاوضاً “بل هو أقرب إلى المناقشات”، مشبهاً مسار جنيف بـ”ورشات العمل” التي يجري النقاش فيها حول قضايا متعددة.
وأشار يحيى إلى أن ما يجري في سورية يؤكد “أننا لا نزال بعيدين كل البعد عن الحل السياسي”. وأضاف أنه “يجري الآن تحويل سورية إلى مناطق نفوذ لقوى إقليمية ودولية، والحرب على الإرهاب أولوية لدى الولايات المتحدة وليس الحل السياسي للقضية السورية”. وأكد أن لدى المعارضة خشية من تعدد المسارات في الملف السوري. وأوضح أن الاتفاق الرباعي الروسي-الأميركي-الأردني-الإسرائيلي حوّل جنوب سورية إلى مناطق “وصاية”، مشيراً إلى أن هناك محاولات دولية لـ”إعادة تعويم نظام بشار الأسد مرة أخرى”، معرباً عن اعتقاده بأنه لا أمل يُرجى من جولة جنيف السابعة. وقال “هي تسجيل حضور لا أكثر ولا أقل”، وفق تعبيره.
وفقد مسار جنيف التفاوضي كثيراً من زخمه وبريقه الإعلامي والسياسي، في ظل عدم تبلور تفاهمات روسية وأميركية حول مستقبل الصراع في سورية. ولا يزال الروس يصرّون على أن الأسد جزء من الحل، وهو ما ترفضه المعارضة التي تعتبره أصل المشكلة في سورية. وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحافي في قمة “مجموعة العشرين” في هامبورغ الألمانية، إن مستقبل سورية والرئيس الأسد يحدده الشعب السوري، وليس وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، في تأكيد جديد على أن الحل للقضية لا يزال بعيد المنال.
وتراجعت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطوة إلى الوراء حيال مصير بشار الأسد، إذ باتت تعتبره جزءاً من عملية انتقالية في سورية، ولم تعد تصر على رحيله عن السلطة فور بدء هذه العملية، في تأكيد على عدم قدرة الأميركيين على تجاوز حقائق فرضها التدخل الروسي والإيراني في سورية. وقال عضو في “الائتلاف الوطني السوري” لـ”العربي الجديد” إن المعارضة باتت في مأزق. وأوضح قائلاً “لا يمكننا قبول بقاء بشار الأسد في السلطة تحت أي ذريعة بعدما قتل وشرد واعتقل وحاصر ملايين السوريين، ورهن سورية للروس والإيرانيين، ولا يمكننا إزاحته عنها بالقوة، وبنفس الوقت نحن نريد إيقاف قتل السوريين المستمر منذ سنوات”. وأشار إلى أن المجتمع الدولي “خذل السوريين، وحوّل بلادهم إلى مسرح صراع لا يكاد ينتهي والآن يريد تعويم قاتلهم”، في إشارة إلى الأسد. ووصف ما يجري في سورية بـ”الوضع المعقد” الذي يحتاج إلى إرادة حل دولية “للأسف غير موجودة الآن”، وفق المتحدث. وأضاف “يريدون من المعارضة توقيع صكوك استسلام وغفران لقتلة السوريين على مدى أعوام، والقبول باحتلال روسي وإيراني، مستخدمين لغة القوة والجبر”، موضحاً أن المعارضة “في وضع صعب في ظل انشغال حلفائها بخلافاتهم”، على حد تعبيره.
وجاء الإعلان عن الاتفاق الرباعي الروسي-الأميركي-الأردني-الإسرائيلي حول جنوب سورية قبيل أيام من جولة جنيف السابعة، ليسهم في إفقاد المسار التفاوضي قيمته الحقيقية. وبدأت أطراف الصراع تبحث عن حلول تلائم مصالحها خارج سياق المعادلة الأممية التي تحض على إبقاء سورية بلداً موحداً من دون وصاية من دول أخرى. ودشن الاتفاق الرباعي التدخل الإسرائيلي المباشر بالأزمة السورية، إذ أكدت صحف إسرائيلية، أمس الأحد، أن إسرائيل “شريك بالتوصل لاتفاق التهدئة جنوب سورية”. وذكرت كل من صحيفتي “هآرتس” و”يديعوت أحرونوت”، أن إسرائيل كانت طرفاً في المباحثات التي تمت بين الأطراف الثلاثة المذكورة، وأنها وضعت مطالب واضحة بشأن صيغة الاتفاق المذكور وشروطه، وإن كانت قد تحفظت علناً من إبقاء الإشراف على وقف إطلاق النار بأيدي روسيا بشكل حصري. ويأتي تأكيد الصحيفتين، بعدما كانتا قد نشرتا، يوم الجمعة، لأول مرة، عن الدور الإسرائيلي في المشاورات والمفاوضات الجارية في الأردن، إذ أوردت “هآرتس”، حينها، أن إسرائيل مطلعة على ما يجري في المفاوضات في الأردن، وأنها طالبت الولايات المتحدة بشكل واضح بأن يتم فصل مباحثات وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية عن المفاوضات العامة الجارية في أستانة، وأن يتم استبعاد إيران وأذرعها عن المنطقة. وبحسب الصحيفة، فإن الولايات المتحدة تبنّت المواقف الإسرائيلية المذكورة.
وعاودت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أمس الأحد، التأكيد عبر مقال للمحلل العسكري، أليكس فيشمان، في نسختها الورقية، بشكل لا يترك مجالاً للشك، أن الاتفاق وقع بين ثلاث دول هي روسيا والأردن والولايات المتحدة، إلا أن إسرائيل كانت لاعباً رئيسياً في بلورته. وأضاف المحلل الإسرائيلي أنه في حال تطبيق الاتفاق وتنفيذه فإن ذلك سيبعد خطر تشكيل جبهة إيرانية مع “حزب الله” في هضبة الجولان، وهو بحد ذاته إنجاز سياسي لإسرائيل، وفق تعبيره.
ولفت فيشمان، في هذا السياق، إلى أن الهجمات والغارات التي شنتها إسرائيل في الأسابيع الأخيرة على مواقع في سورية، إثر سقوط قذائف بالجانب الإسرائيلي من الجولان المحتل، ساهمت في تكريس مكانتها كلاعب لا يمكن تجاهله في الترتيبات في الجولان، فضلاً عما يقال عن علاقاتها مع جهات سورية في الطرف السوري من الجولان، وهو ما يساعدها في أن تكون طرفاً في الإشراف على تطبيق الاتفاق ومراقبته.
وفي الساعات الأولى لبدء سريان وقف إطلاق النار في الجنوب، أي في درعا والقنيطرة وريف السويداء، بدا الالتزام كبيراً نسبياً من جميع الأطراف. وتحدث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن الاتفاق الرباعي، ووصفه بأنه “سينقذ أرواح كثيرين”. وكتب في تغريدة على موقع “تويتر”، قائلاً “حان الوقت للعمل بشكل بنّاء مع روسيا”.
بدوره، أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عن سروره من الاتفاق “طالما أنه يضمن عدم وجود عسكري لإيران ولمليشياتها على الحدود الإسرائيلية”. أما حكومة النظام السوري، فعبّر مسؤول فيها عن الموقف بقوله إن “السكوت علامة الرضا”، رداً على سؤال لوكالة “رويترز” حول موقف دمشق من وقف إطلاق النار.
وذكر المتحدث الإعلامي لـ”ألوية الفرقان” التي تنشط في منطقة القنيطرة، صهيب الرحيل، أن “الوضع هادئ بشكل نسبي”. وقال مسؤول آخر في المعارضة في مدينة درعا إنه لم يقع قتال يذكر. وأفاد مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، رامي عبد الرحمن، بأن الهدوء يسود في جنوب سورية منذ ظهر الأحد. وقال إن “الجبهات الرئيسية في درعا والقنيطرة والسويداء تشهد توقفاً للمعارك والقصف منذ صباح الأحد باستثناء سقوط قذائف متفرقة قبل الظهر أطلقتها قوات النظام على مناطق سيطرة الفصائل في مدينة درعا”.
وكان مسؤول أميركي في وزارة الخارجية قد كشف، لدى الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، يوم الجمعة، أنه سيكون “ترتيباً من ضمن اتفاق أكبر”. وذكر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن الاتفاق يتضمن “تأمين وصول المساعدات الإنسانية وإقامة اتصالات بين المعارضة في المنطقة ومركز مراقبة يجري إنشاؤه في العاصمة الأردنية عمّان”. كذلك تم تسريب بنود تتعلق بنشر قوات شرطة عسكرية روسية وأخرى أردنية لمراقبة الهدنة، فضلاً عن الاعتماد على الأقمار الصناعية، وإبقاء المليشيات المحسوبة على إيران بعيدة 30 كيلومتراً عن الحدود الفلسطينية المحتلة والأردنية.
صدى الشام