د. محمد مرعي مرعي
نجح حزب البعث ومن بعده سلطة أل الأسد في هدم مؤسسات الدولة السورية التي بناها رجال الاستقلال بكفاءاتهم وخبراتهم ومهاراتهم المتميزة التي اكتسبوها بجهودهم وقدراتهم وممارساتهم المشهودة ، وتحقق ذلك عبر إزاحة شخصيات الدولة السورية أو تهميشهم أو تهجيرهم أو قتلهم خلال 50 عاما المنصرمة ، وأحلّت سلطة آل الأسد محلّهم أفرادا مطواعين ومرتزقة ومنفذين لأوامر الأجهزة العسكرية والأمنية وحزب البعث حيث تم إعداد هؤلاء عبر موجات متتالية بدءا من عقد السبعينيات من القرن الماضي حين نقل حافظ الأسد أتباعه ومرتزقته إلى مواقع القرار السياسي والإداري والقضائي والتشريعي وغيرها ليحلّوا مكان رجالات الدولة السورية التاريخيين ، ثم أكمل ذلك في عقد الثمانينيات حين أوفد عشرات الآلاف لدول أوربا الشرقية ليحصوا على شهادات كرتونية ومن بعدها لتولي مواقع المسؤولية في إدارات الدولة بدلا من أصحاب الكفاءات ، وكان عقد التسعينيات تخريبيا بامتياز حين بدأ بهدم المؤسسات العلمية الكبرى مثل مركز الدراسات والبحوث العلمية وهيئة الطاقة الذرية وجامعة دمشق وفرض مستوردي الشهادات من أوربا الشرقية لإدارتها ، واكتمل التخريب في العقد الأول من القرن العشرين مع وريث السلطة بشار الأسد الذي أحدث المعهد الوطني للإدارة العامة وأوفد أشخاصا لا كفاءة لهم وبدء تخريج أشخاص بصفة إداريين لا يمتلكون سوى الانتماء الطائفي والتبعية لأجهزة الأمن والجيش وحزب البعث وملحقاته المدمرة والذين تولوا فعليا ما تبقى من إدارات سوريا . وهكذا تم تدمير مؤسسات الدولة السورية وبناها الحقيقية تماما . بعد اندلاع ثورة الشعب على سلطة آل الأسد تطلّع أبناء سوريا إلى بناء دولة سوريا الحديثة ومؤسسات جديدة تواكب العصر ومتطلبات التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيره ، لكن خاب أمل الشعب الثائر مع مجيء الائتلاف وملحقاته الذي استبعد ، منذ بداية تشكّله من قبل أجهزة المخابرات العالمية بالتعاون مع مخابرات آل الأسد ، كافة أصحاب الكفاءات العالية والمتخصصين في العلوم العسكرية والإدارة والمالية والقانون والهندسة والسياسة ووو، وتم توظيف تجمّعات بشرية من المرتزقة الذين يغمضون عيونهم عن سرقات أعضاء الائتلاف وتبعاته لأموال المساعدات المقدمة للشعب السوري المنكوب أو يشاركونهم في سرقتها ، كما تم استبعاد كافة أصحاب الكفاءات الخبيرة الذين لديهم تجارب وخبرات حقيقية في بناء المؤسسات وأسس الدول الحديثة ، بغية افشال الثورة الشعبية تلبية لرغبات من عيّنهم في مواقعهم الائتلافية لقاء تعويضات مالية حصلوا عليها من سرقاتهم ، وبذلك منعت إدارة ذلك الائتلاف بناء مؤسسات تمثيلية للشعب ومؤسسات رقابية وإدارية وتنفيذية وسياسية وعسكرية وأمنية ذات أسس سليمة . هكذا ، عاشت سوريا الوطن والشعب خلال أكثر من 50 عاما مرحلتين هدامتين : من هدم مؤسسات الدولة على أيدي آل الأسد إلى منع بناء مؤسسات الدولة على أيدي الائتلاف وملحقاته ، تطبيقا لقاعدة ذهبية في الادارة : لا يتعايش بناء الدولة ومؤسساتها مع عالم الفساد والجرائم . ويبقى خلاص سوريا أرضا وشعبا بالتخلص من هذا التوأم المدمر والفاسد .