برنامج المناطق “الآمنة – الهادئة- تخفيف التصعيد والعنف” وإرضاء الأطراف ليس خطوة في معادلة السلام في سوريا، إنما خطوة سقيمة تقسم سوريا إلى مناطق “احتلال وبؤر صراع”.
شكّل مؤتمر أستانة 4 نقطة جديدة في الملف السوري، ليس من ناحية التوجّه الجاد للبحث عن حلول للحرب في سوريا ومحاولة استنباط بوادر سلام تنهي سفك الدماء وتوقف إطلاق النار في عموم سوريا، إنما من ناحية البحث عن بعض الهدوء للأطراف الدولية المتصارعة في إدارة الوضع السوري وإظهار حسن نواياهم في التعاطي مع بعضهم البعض وإدارة مشاريعهم بعد تقسيم سوريا إلى أربع مناطق نفوذ سميت “مناطق تخفيف التصعيد” وهي محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية والجنوب السوري؛ بحيث يتم ضمان مصالح الجميع وتتولى مراكز مراقبة دولية الإشراف على خطوط التماس بينها، وإدارة النيران بشكل أكثر تمكنا، وبموافقة الأطراف السورية التي تحولت إلى طرف موقع على الاتفاقيات ولا يعني قبولها أو رفضها شيئا في تغيير مسار الأمور.
مناطق تخفيف التصعيد والسير وفق ما يضمن استمرار الأوصياء ويخدم أجنداتهم تبدو مقدمة لتقسيم البلاد عبر تكريس مناطق نفوذ محلية وخارجية “احتلال” لا سيما في إدلب وجنوب سوريا وهما المنطقتان الحدوديتان المتصلتان مع تركيا والأردن، تزداد تعقيدا في مناطق أخرى وتجعل فكرة التقسيم غير ممكنة، فملف الجغرافيا السورية مازالت تحكمه العديد من الإشكاليات خصوصا في منطقتي الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، وهي مناطق معزولة بحكم محاصرتها من قبل النظام وسيطرة المعارضة السورية عليها ولا تتصل جغرافيا بحدود مع دول الجوار. وفي ما تم استبعاده من مناطق تخفيف التصعيد والتي تشمل في الشمال السوري مناطق “شرق الفرات” حيث النفوذ الأميركي الداعم للوحدات الكردية، والنفوذ التركي الداعم لمجموعات الجيش الحر والفصائل الإسلامية لقتال الوحدات الكردية، يضاف إلى ذلك داعش والنصرة.
هذه المنطقة الهامة حيويا لقطع التواصل الجغرافي بين إيران والعراق وسوريا ولبنان والمساهمة في إضعاف حزب الله وضمان أمن إسرائيل، ستكون بؤرة قتال طويلة الأمد فطهران لن تخضع بسهولة لمشاريع الحلول التي يمكن أن يتفق عليها حليفها الروسي مع خصمها الأميركي الذي يلحّ على خروجها وحزب الله من سوريا، كما تمّ استثناء كل من دمشق ومحيطها والمناطق المحاذية للبنان كالزبداني والقصير حيث نفوذ إيران وحزب الله.
التداخل الجغرافي يرافقه رفض أطراف الصراع اقتسام الأرض، فكل من النظام وحلفائه والمعارضات وحلفائها، يرغب كل طرف في استقرار سوريا على حدودها الحالية، لإدراكه أن أي تقسيم لسوريا ستنتج عنه كيانات وبؤر هشة ومتحاربة ولا يمكن ضبطها أو السيطرة عليها.
المحاولات المتتالية للوصول إلى تسويات تخفف التبعات السياسية والإنسانية الناتجة عن استمرار موجات الهجرة والنزوح الداخلي بأرقامها غير المسبوقة عالميا، مازالت تدور في فلك المصطلحات بدءا من المناطق “الآمنة” التي تم طرحها في الأعوام الماضية عبر العديد من الأطراف إلى “الهادئة”، وصولا لمناطق “تخفيف التصعيد”، التي وجدت مخارجها في ترتيبات أستانة لتشكل جزءا من رغبة الضامنين وأهمهم روسيا بوصفها الدولة الأكثر تأثيرا في سوريا بالانتقال نحو مرحلة قطف الثمار وضمان مصالحهم، مع إعطاء أميركا المناطق التي تهمّ أمن حلفائها “إسرائيل والأردن والأكراد”، إضافة إلى الإيحاء بالحدّ من تمكين إيران المتمكنة أصلا في سوريا عن طريق العديد من الاستثمارات والمشاريع. وبالتالي فهذه المناطق لن تكون أكثر من إدارة هدن خاصة بالدول في حربها ضد السوريين واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان تقيد الأطراف المتنازعة بوقف إطلاق النار والالتزام بالهدنة الهشّة التي سبق أن توصلت إليها تركيا وروسيا في نهاية ديسمبر.
برنامج المناطق “الآمنة – الهادئة- تخفيف التصعيد والعنف” وإرضاء الأطراف ليس خطوة في معادلة السلام في سوريا، إنما خطوة سقيمة تقسم سوريا إلى مناطق “احتلال وبؤر صراع” ولن تقدّم مسارا عاما لحل حقيقي عادل وشامل ودائم للمشكلات السورية، ولن يتم أي خفض للتصعيد فلن تعدم الوسائل لسفك دماء السوريين على كافة الأيدي القاتلة التي تحولت في ظل الواقع السوري إلى حكم وضامن لاقتسام الخارطة السورية سياسيا، وجميع هذه الاتفاقات والمسارات ليس للشعب السوري أي رأي فيها، والعالم كله يعرف أن من يدّعون تمثيله والتحدث باسمه لم يعتمدوا خطابا وطنيا سوريا واضحا رغم قسوة أعوام الحرب.
كاتبة سورية هوازن خداج