بعد مبادرتين سابقتين فاشلتين، أعلن المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا عن مبادرة ثالثة جديدة، ولتنفيذها أرسل دعوات إلى معارضين سوريين ورجال في النظام ورجال أعمال وممثلي دول مؤثرة بالأزمة السورية، ليجتمع بهم بجنيف في شهر مايو كل على حدة، للاستماع إلى تصوّر كل طرف للحل السياسي.
لم يذكر دي ميستورا أي تفاصيل عن الأطراف التي سيدعوها، سوى إعلانه أن إيران من بينها، وأن المجموعات المتطرفة كجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية خارجها، وعدا ذلك لم يعرف أحد المنهجية المتبعة في اختيار المدعوين لمبادرته.
المبادرة التي أعلنها المبعوث الأممي تُعيد السوريين إلى نقطة الصفر، فهو يريد الاجتماع بالمعارضة السورية وممثلي النظام وممثلي الدول الفاعلة ليستمع إلى رأيهم، مع أن مواقفهم واضحة ومعروفة، وفي مكتبه عشرات الآلاف من الصفحات التي توضح موقف كل طرف، وتضم تصورات مبعوثين أمميين سابقين، وهو يرفض أن يبني عليها على ما يبدو لغرض في نفس يعقوب. الإصرار على البدء من الصفر يدفع إلى احتمالين، الأول أن دي ميستورا يواصل التجريب بالملف السوري، أو أنه بمبادرته يحمل أهدافا يريد تمريرها دون إشعار الأطراف المعنية بأنه يُمرر ما لا يجب أن يُمرّر.
طرح دي ميستورا مبادرتين تخصان الأزمة السورية، ضعيفتين وغريبتين إلى حد بعيد، ولغرابتهما وضعفهما فشلتا قبل أن يبدأ تنفيذ أي منهما، الأولى دعا فيها إلى فتح الحدود التركية لدخول المقاتلين إلى شمال سوريا لمؤازرة مقاتلين أكراد سوريين، لم يحدد فيها من هم هؤلاء المقاتلون ولا ضوابطهم، وكانت مبادرة تشبه الدعوة إلى فتح الحدود أمام الفوضى.
أما الثانية فكانت إطلاق مبادرة بمصطلح دولي جديد تحت اسم “تجميد القتال”، وهي مبادرة أفضل ما يمكن وصفها بأنها عنوان لتقسيم سوريا، وتحولها إلى إمارات حرب، وتفككها لوحدات إدارية منفصلة، وتُنهي العمل الشعبي وتدعم العمل السلطوي الفردي للمعارضة والنظام، وتقسم الناس وفقا لانتمائهم المكاني، وتوفر الأرضية لفساد سياسي ومالي وعسكري ومؤامرات لا تنتهي.
لم يطالب دي ميستورا بخروج المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب النظام، ولم ينتقد النظام السوري لاستخدامه البراميل والطيران الحربي لقصف المدنيين، ولم يسع إلى وضع دور للقوى الدولية والأممية في أي مبادرة، ولم يستفد من القانون الدولي في أي مبادرة، وكل ما تحدّث به طوال عشرة أشهر هو ضرورة إشراك روسيا وإيران في الحل، رغم أن غالبية المعارضة السورية تُهدد بالانسحاب من أي مبادرة إن دُعيت إيران.
منذ تعيينه قبل نحو عشرة أشهر لم يقدّم المبعوث الأممي ما يفيد في تقدّم الأزمة السورية نحو الحل مترا واحدا، بل ساهم، مع غيره، في زيادة حدة الخلافات بين قوى المعارضة السورية، وبين السوريين والمكون الكردي، واستفاد النظام من مبادراته الفاشلة السابقة ليطيل عمر الأزمة، وليغيّر من سياساته العسكرية بما يفيده ميدانيا.
إن استبعدنا أن الهدف من الدعوة إلى اجتماعات جنيف التي تستمر بين أربعة وستة أسابيع هو التسلية والتجريب وتضييع الوقت، مع أنه أمر محتمل، فإن الواقع يشير إلى أن دي ميستورا يُخطط لعقد المشاورات، ثم لتقديم تقرير إلى مجلس الأمن للنظر في استئناف المفاوضات بين ممثلي النظام السوري والمعارضة، وسيمرر قضايا لا تمر، على رأسها محاولة سحب البساط من تحت جميع المبادرات السابقة بما فيها إعلان جنيف، والنزول بسقف الحل لأدنى مستوى ممكن ليوافق النظام السوري عليه، وكسر احتكار الائتلاف لتمثيل المعارضة السورية، وتوسيع تمثيلها لتشمل المعارضة الرخوة وتلك المقربة من النظام، ليكون للنظام في أي مؤتمر مُقبل وفد ونصف، وكذلك إدخال إيران في المفاوضات كعنصر أساسي للحل، وتعتقد المعارضة السورية أن الرجل يحاول تأهيل النظام السوري من جديد وإنقاذه.
كان على دي ميستورا، أن يبحث عن فهم موحد لبيان جنيف عند الدول التي وضعته، وأن يقول كلمة حق واحدة عن النظام السوري بأنه محترف تضييع الفرص وتخريب المبادرات، وأن يصر كسابقيه (أنان والإبراهيمي) على ضرورة التسلّح بقرار مُلزم من مجلس الأمن لأي مبادرة يطرحها.
على التوازي مع تحضير دي ميستورا مكاتب جنيف لاستقبال (مكلمته)، هناك تقدّم عسكري تحققه المعارضة السورية، في شمال غرب سوريا وجنوبها، وسيكون له تأثير على هذه المبادرة، ويفرض المعارضة المسلحة كشريك في القرار حيث لن يستطيع تمرير مبادراته بعيدا عنها.
المعارضة السياسية السورية، ورغم تناقضاتها، إلا أنها لا تجرؤ على وضع بيضها في سلة دي ميستورا، فهي، تتجاوب مع مبادرات عربية تهدف إلى توحيد برامجها بهدف مواجهة مبادرات ملغومة كالتي يطرحها دي ميستورا.
العربباسل العودات