ستكون الهدنات التي تُعقد في المناطق التي لا تزال خاضعة للجماعات المعارضة المسلحة في سوريا تمهيدا لنهاية الحرب هناك. ذلك ما يأمله السوريون.
لم يعد هناك أحد معنيا بالهزيمة أو النصر. ربما يشعر الكثيرون بالخيبة وهو شعور يغمر الفريقين بعد أن دمرت الحرب أجزاء عزيزة من سوريا قبل أن تدخل تلك الحرب في دروب متاهتها العبثية حين أيقن الجميع بلا جدوى الاستمرار في المحاولة.
خسر السوريون بمختلف توجهاتهم الحرب. هذا أمر مؤكد. أما الاستمرار فيها فلا يعني سوى مزيد من القتلى من غير أن يحدث تغيير في المعادلة.
فالمسألة السورية وقد خرجت منذ سنوات من أيدي السوريين صارت رهينة توافقات دولية تقوم على أساس توازن مصالح الدول المعنية بها. ليس من بين تلك المصالح ما يمتّ بصلة إلى مصير الشعب السوري.
لقد أدارت أطراف عالمية عديدة الحرب عن طريق وكلائها الإقليميين، من غير أن تأخذ في الحسبان الكلفة العالية التي يتحمّلها الشعب السوري من جراء تلك الحرب.
أما أن يكون جزء من ذلك الشعب عبئا على ألمانيا وعدد من دول اللجوء فتلك هي الأخرى واحدة من الضلالات التي حاول الغرب من خلالها التغطية على جريمته في التشجيع على الحرب بعد وأد الثورة.
ما لا يقتنع به المعارضون السوريون أن يكون التدخل الروسي نافعا من جهة وضعه الأوراق كلها على الطاولة بطريقة مكشوفة.
فإذا كانت الحرب قد جرت عن طريق الوكلاء قبل التدخل الروسي، فإن ذلك التدخل أعاد اللاعبين الأصلاء إلى الملعب. فصارت التفاهمات تجري بطريقة شفافة لا لبس فيها.
لقد جلب الروس عن طريق تدخلهم الأميركان إلى طاولة المفاوضات.
ما نراه اليوم من تحوّلات في الحرب السورية هو نتيجة مباشرة لتلك المفاوضات التي جرت في جو من السرية التامة.
الوكلاء، ومن بينهم إيران وقطر، كانوا آخر مَن يعلم. لذلك كان استبعادهم من المعادلة السورية صادما لهم.
يمكننا هنا تخيل الموقع الفارغ من المعنى الذي احتله النظام ومعارضوه في سياق معادلة، كانا يوما ما طرفاها الوحيدين.
اليوم يلقي معارضون مسلحون أسلحتهم من غير أن يعلنوا استسلامهم. وهي فكرة ذكية تُخرج السوريون من متاهة عنادهم وغرورهم الأعمى.
لا تضعنا تلك الفكرة في صورة الحل النهائي للمأساة السورية.
غير أن ما يُخيف فيها أنها قد تكون مجرد استراحة محاربين. فالمزاج العالمي ليس مستقرا تماما. وهو ما يجعل كل شيء عرضة للاضطراب. ما يُخيف أيضا أن السوريين وقد فقدوا ثقتهم بالمجتمع الدولي قد لا يكونون أهلا لتحمل أعباء مرحلة انتقالية سيكون السلام الهش عنوانها.
فهل ستكون سوريا تحت الوصاية الروسية الأبدية بناء على التفاهمات الدولية لكي يتمكن السوريون من الحوار في ما بينهم؟
لو عدنا إلى شعور السوريين بالهزيمة لعثرنا على الكثير من الثغرات التي يمكن أن تقود إلى الرغبة في الاستمرار في الصراع إلى ما لا نهاية. وهو ما يفسر الميول الانتحارية لدى عدد كبير من الجماعات التي رفعت السلاح وكانت على يقين من أنها سترفع لواء نصرها على جبال قاسيون.
على الجبهة المقابلة هناك مَن لا يزال يحلم بانتصار يكون عنوانه “بقاء النظام”، وهو موقف قد يحرج النظام نفسه. فلا معنى لذلك النظام إن ذهبت سوريا إلى العدم.
حين حملت طائرة روسية الرئيس بشار الأسد إلى موسكو من أجل طلب المساعدة كان الرجل أكثر العارفين بما كانت بلاده مقدمة عليه.
في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلادهم يبدو السوريون الأقل قدرة على استيعاب ما يمكن أن تنتهي إليه الأمور في بلادهم. فهم لا يمسكون بخيط واحد من خيوط اللعبة.
هناك كثير من الإنشاء الخطابي وعجز كامل عن الفعل.
القدس العربي