المركز الصحفي السوري
علي الحاج أحمد 17/2/2015
لقد بات معروفاً أنّ الحرب على سورية هي حرب نفسية، هدفها النيل من إرادة الشعب على صموده وتصميمه، وفي الواقع أن عدد الشهداء أكبر بكثير من عدد شهداء السلاح والتعذيب، حيث بلغ عدد الشهداء الموثقين في المنظمات الحقوقية (122326) حتى تاريخ 31/12/2014 ، ولكن هناك عدد كبير من الضحايا المنسية من الحرب، فهي ليست مجرد الرصاص والقذائف التي تقتل وتشويه السوريين، إنهم يموتون أيضا من نقص الرعاية الطبية الأساسية، فلقد دمر النظام الصحي في سوريا بالكامل، ونتيجة لذلك، فإن أعدادا متزايدة السوريين يعانون ويموتون من الأمراض المزمنة التي تهدد حياتهم مثل السرطان والصرع والربو والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض، وخلال الأزمة التي تمر بها سوريا أصبح يعاني أهالي سوريا من أمراض متعددة أودت بحياة الكثير منهم، كأمراض ارتفاع الضغط، وارتفاع السكري، و أعراض عصبية، ومشاكل هضمية، ونقص تغذية، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة، ومشاكل صحية متعددة.
ونأخذ مثال عن ذلك “الحاج أبو مصطفى” من قرية معرة حرمة بريف إدلب الجنوبي، لم يكن يعاني من أي مرضٍ يذكر، وكانت صحته جيدة، إلى أن أستشهد أحد أبنائه في معركة تحرير الخزانات في خان شيخون، مما جعل “الحاج أبو مصطفى” يحزن عليه حزناً شديداً، فأصبحت حالته الصحية تتدهور يوماً بعد يوم، وما هي إلا أيام قليلة حتى أصيب بجلطة دماغية أودت بحياته.
ومثال آخر “أبو محمد” 48 عام أيضاً لم يكن يعاني من أي مشاكل صحية، إلى أن أغارت طائرات الأسد على قرية معرة حرمة فسقط أحد الصواريخ بالقرب من منزل “أبو محمد” وكانت الأضرار مادية فقط ولم يصاب أي شخص بأذى، ولكن الخوف والانزعاج الذي أصاب “أبو محمد” أدى إلى ارتفاع السكر في الدم بشكل مفاجئ، وبشكل كبير علماً أنه لم يكن يعاني من السكري من قبل، فأصبحت حالته الصحية تتراجع يوماً بعد يوم و السكري بارتفاع دائماً، وما هي إلا أشهر قليلة حتى تمَّ بتر ساقه، وبعد عدة أسابيع توفي.
وهناك آلاف الحالات المشابهة لذلك، فلا يكاد يمر يوم إلا وينادي المنادي على أحد الموتى في مآذن المساجد في قرية معرة حرمة وما هي إلا أنموذج صغير عن مدن وبلدات سوريا، وما أكثر الأسباب التي أدت إلى وفاة الكثير من السوريين، كالأطفال حديثي الولادة يموتون في الحاضنات بالمشافي نتيجة لانقطاع الكهرباء، كما أن النساء في سوريا تواجه صعوبات كبيرة في مرحلة ما قبل الولادة والولادة و الرعاية ما بعد الولادة، وغالباً ما تتعثر الولادة مما يؤدي إلى وفات الأم أو الجنين، وإضافة إلى ذلك عدم وجود الكوادر الطبية المهرة الموظفين للحصول على الرعاية الصحية، ونقص المعدات والدواء، وانتشار الأمراض المعدية وخاصةً عند الأطفال، باختصار أصبحت الأزمة السورية الإنسانية أزمة صحية مدمرة.
إن عدد الشهداء الذين استشهدوا باستهدافهم بشكل مباشر في الحرب، و الذين ماتوا نتيجة الحرب بشكل غير مباشر، بالإضافة إلى الضحايا نتيجة تدهور الحالة الصحية من الأطفال والنساء، و إضافةً إلى ضحايا حوادث السير التي ارتفعت إلى ضعف ما كانت عليه في السابق بسبب عدم وجود القانون، كما أن حوادث القتل بسبب المشاجرات نتيجة لكثرة السلاح مع المدنيين، إضافةً إلى القتلى نتيجة اشتباك الفصائل المقاتلة مع بعضها البعض، بالإضافة إلى المهاجرين السوريين الذين غرقوا في البحر، كل هذه الأسباب قد خلفت أكثر من مليون قتيل في سوريا خلال السنوات الأربع الماضية.
إن بناء النظام الصحي المنهار في سوريا لن يكون سهلا طالما استمر الصراع، ولكن هناك عدد قليل من الإجراءات التي، إذا ما تمت على وجه السرعة، يمكن تحسن ملحوظ في حياة السوريين الذين يعانون من هذا الصراع: منها قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2139 الذي ينص على وصول المساعدات الإنسانية، يجب أن تنفذ على الفور، لتوفير اللقاحات والغذاء والماء، الأدوية وغيرها من المساعدات المنقذة للحياة، كما يجب أن يكون للمنظمات الإنسانية حرية الوصول إلى جميع المناطق، ويجب أن يسمح للمساعدات لعبور خطوط النزاع، ودخول المناطق المحاصرة. عدم استهداف المرافق الصحية والعاملين الصحيين، كما يتعين على زعماء العالم الوقوف لأصغر ضحايا هذا النزاع وإرسال رسالة واضحة عن طريق مجلس الأمن تحت الفصل السابع إلى نظام الأسد بعدم التعرض للمدنيين.