أي يو أوبزيرفر
مع تصاعد طبول الحرب في شرق أوكرانيا, فإنه ربما تم التغاضي عن بعض التطورات المقلقة في الشرق الأوسط.
المقابلات التي أجريت مع الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولقاء المعارضة السورية في موسكو, والشائعات التي تدور داخل واشنطن بيلتواي تعطي أملا ضعيفا للمستنقع السوري.
في المقابلة الأخيرة التي أجراها جوناثان تيبيرمان من فورين أفيرز, تشبث الأسد بالمزيج المعتاد من المفاتحة الواضحة واليقين بأنه وعشيرته يقفون إلى الجانب المنتصر من الحرب السورية.
من خلال التناوب بين الاستعداد لإجراء محادثات جادة مع المعارضين (وليس الدمى المنفية التي يتلاعب بها الغرب) والاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة ضد مسلحي الدولة الإسلامية, فإن الأسد يكون قدم الشعار الذي كان والده يعرضه دائما – “سوريا هي قلب الشرق الأوسط” وهناك نتيجة واضحة تماما قدمها أيضا :” جميعنا نؤمن أن سوريا يجب أن تعود كما كانت عليه من قبل. ليس لدينا أي خيار آخر”.
وبصورة عابرة, انتقد الأسد قطر والسعودية, وبصورة أكبر, تركيا بسبب دعمهم المزعوم للدولة الإسلامية.
فيما بعد اتخذ تيبرمان خطوة غير معتادة ونشر مقالة في الواشنطن بوست ومقطع فيديو ليعطي انطباعه حول الأسد :” الرجل مختل أو واهم ومن المستحيل تصور أنه يمكن أن يدخل في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا”.
ما كشفت عنه المقابلة – بالنسبة لأولئك الذين لم يلتقوا بالأب والابن- هو أن بشار الأسد سوف يتشبث بالسلطة بغض النظر عن ما يتطلبه ذلك من دماء. وسوف يستخدم أي طريقة من أجل الوصول لهذه النتيجة, مما تبقى لديه من مخزون الأسلحة الكيماوية إلى انتكاسات التحالف إلى امتداد الصراع إلى ما هو أبعد من حدود سوريا.
في الجانب التركي, ليس هناك تقدم أيضا.
في 29 يناير, وضح الرئيس أردوغان على قناة تي آر تي الحكومية, موقفه الواضح تماما بأنه لا بد من وجود منطقة حظر للطيران, وأن القتال ضد الدولة الإسلامية لوحدها غير كاف؛ وأن التحالف المضاد للدولة الإسلامية يجب أن يلاحق نظام الأسد أيضا.
في هذه الأثناء, لن تسمح تركيا للتحالف باستخدام قواعدها الجوية وسوف تركز جل نشاطها على المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين.
يبدو أن الموقف التركي لا يترك انطباعا مريحا حتى في الدول الغربية كما هو الحال للنظام السوري, خاصة أن السبب الحقيقي لعدم انضمام تركيا للحرب ضد الدولة الإسلامية يكمن خلف التعاطف ما بين الناخبين المتدينيين المحافظين مع الدولة الإسلامية ضد الرواية الغربية.
في موسكو في 26 و27 يناير, اجتمع معارضون سوريون مختارون بعناية, تلاه اجتماع في 28 و29 يناير جمع رئيس الوفد السوري السفير بشار الجعفري, ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.
تستند الوساطة الروسية على مجموعة من المعارضين المقبولين لدى دمشق واستبعاد أي تلميح لتغيير النظام في سوريا.
من غير المفاجئ, أن لا تخرج مثل هذه المفاوضات بأي نتيجة.
منذ بداية القتال في شرق أوكرانيا, أصبح من الواضح أن الحرب الأهلية السورية استخدمت من قبل موسكو كعامل إزعاج أساسي في صراعها السياسي متعدد الأطراف مع القوى الغربية.
بالتأكيد فهو لا يحمل نفس الأهمية بالنسبة للقرم أو دونباس, أو حتى لتكتيكات التحرش الجوي فوق سماء شمال أوروبا, ولكن الصراع السوري يساعد الكرملين في معارضته الشرسة للموقف الغربي.
كتذكير محزن, على المراقبين تذكر أن حجم المأساة السورية – 200000 قتيل ومليون جريح وأكثر من 10 مليون مشرد – أمر لا يؤثر كثيرا في موسكو.
المرة الماضية التي تساءلت فيها حول ذلك, كان الجواب الروسي حادا جدا :” لقد خسرنا 20 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية”.
عدد من العوامل الأخرى تزيد من تعقيد المستنقع السوري: الرئيس الأمريكي باراك أوباما غير مستعد لمواجهة الأسد عسكريا؛ التدخل العسكري القوي لكل من إيران وحزب الله على الأرض؛ وإمدادات السلاح الروسي غير المنقطعة والمتواصلة منذ ربيع 2011.
وبالنظر إلى الطبيعة الصعبة التي يبدو عليها الصراع السوري, مالت واشنطن إلى إغراء دراسة التعامل مع “الشر الأقل” والتوصل إلى صفقة مع الأسد.
دون أدنى شك فإن احتمال الوصول إلى مثل هذا الترتيب السياسي سوف يكون أكثر الخيارات المخزية التي يمكن أن يتخيلها الملايين من اللاجئين أو النازحين السوريين. ولكنه مع ذلك ليس مستبعدا بالنظر إلى المقاومة التي تبديها الدولة الإسلامية واستحالة ضرب المسلحين بصورة فعالة في شمال سوريا في غياب أي اتفاق عملياتي مع تركيا.
قبل عامين أو ثلاثة, كان يمكن التفكير – ولو بسذاجة- باللحظة التي سوف يكون فيها الأسد نفسه مسئولا أمام الكرملين.
لم تحدث هذه اللحظة فقط, ولكن سوريا أصبحت الآن “مأساة مفيدة” في استراتيجية حرب روسيا الأوسع ضد الغرب.
دون شك, الحرب الأهلية السورية سوف تجد مكانها في كتب التاريخ كنموذج مثالي لسياسة الأمر الواقع الساخرة.
ترجمة مركز الشرق العربي