منذ أن استولى “حافظ الأسد” على الحكم في سوريا، راح يبنى فيها شبكات من العصابات والمافيات التي تقوم على إرهاب وتخويف الشعب.
فكانت الخطوة الأولى بعد استيلائه على الحكم بسنوات قليلة قضية الإخوان المسلمين، والتي راح ضحيتها من الشباب المثقفين وطلاب الجامعات وغيرهم من المنتسبين لتنظيم الإخوان المسلمين وممن لا يعرفون عن الإخوان المسلمين سوى اسمهم فقط، فكانت الجريمة العظمى هي درجة ثقافة الشخص وتحصيله العلمي.
بنى “حافظ الأسد” دولة عنصر الأمن هو سيد الموقف فيها في كل مشاهد الحياة، فهو أكثر أهمية من الطبيب والمهندس وأكثر أهمية من المعلم وصاحب المهنة وأكثر أهمية من دكتور الجامعة أيضاً.
اعتاد الشعب السوري بكل أطيافه وتقسيماته من مسلم ومسيحي، سني وعلوي أو درزي أو شيعي على أن عنصر الأمن الذي يعتبر أحد مكونات القانون هو كاسر ذلك القانون، واستثناؤه في كل مجالات الحياة التي تخضع للقانون.
فهاهو “أبو زكي” الحاج الثمانيني، أمام فرن محطة بغداد للخبز المجبول بالدم والقهر والذل مدمى الرأس والقلب معاً، فجرح القلب وجرح الروح أعمق بكثير من ذلك الجرح الذي أدمى رأسه لتصبح لقمته حقاً مغمّسة بالدم.
يطأطئ الحاج رأسه محدقاً بالزمن الماضي والحاضر وإلى أين آلت به الظروف في ظل حكم عائلة الأسد و زبانيتها والدم قد غير لون شعره الأبيض إلى الأحمر القاتم، كحياة هذا الحاج القاتمة في بلد لا يحترم كبار السن فيه.
يتحدث “زكي” ابن الحاج والحرقة تقتله حزناً وقهراً على أبيه المكافح لأجله ولأجل أخوته ويقول بغصة المقهور: “والدي صاحب ال ٨٣ عاماً على دور الخبز ومن أمام نافذة الذل نافذة الخبز يرمى أرضا ويدمى من أجل شخص مجهول حقير سافل لا يعرف لا دور ولا انتظار”
ويكمل الابن متسائلاً بقهره وعجزه فلا حول له ولا قوة في بلد يحكمه الوحوش ويقول ” أبي الإنسان المكافح الذي كان يقطع من لحمه ليطعمنا وليربينا. الأوغاد المجرمون المتسترون على بعضهم، الوحوش البشرية الذين لا يعرفون الإنسانية، متى ننتهي منهم ومن أمثالهم!!”
وحش من وحوش نظام الاستبداد يطأ بظله الثقيل فوق كاهل هذا الثمانيني، الذي أثقل كاهله ظل حافظ من قبل بشار، وقبل هذا الذيل الذي يضرب بسوط أسياده ومعلميه في بلد الاستبداد ليحني أمامه شيخاً مسناً لا تعد الحياة تملأ بؤبؤ عينه الصغير.
تلك الانحناءة تخفي جبالاً من قهر وظلم واستبداد يثقل كاهل هذا الحاج الذي يحاول جاهداً تأمين لقمة خبز لأبنائه وبناته ولسان حاله يقول “آه من هذا الزمان كم حقراؤه كثيرون”.
وذاك الذي يبحث عما يسد به رمق جوع العائلة والأطفال فينتظر وينتظر أمام باب مغلق لا يفتح إلاّ لأمثال السيدة “فاتن” التي تهجمت عليه كوحش بريّ خطير وتنمّرت عليه أمام حشد من الناس بلا خجل ولا حياء بعبارة “بدنا ناكل”، وربما يكون أطفاله بأمس الحاجة الى هذه العبارة، ينتظرون والدهم الذي خرج منذ ساعات الصباح الأولى سعياً في سبيل تأمين ما يسد به جوعهم ويروي به رمقهم.
فهذه هي سوريا الأسد، يتربع فيها الأسد في عرينه محاطاً بالضّباع التي تنهش شعب سوريا حياً وميتاً ودون كلل.
محمد المعري/المركز الصحفي السوري