بيت هوبارد – نيويورك تايمز
بيروت, لبنان – أمطرت مروحيات النظام براميلها المتفجرة على القرى في جميع أنحاء سوريا تقريبا الأسبوع الماضي, مما أدى إلى مقتل مدنيين وتدمير عدد كبير من المنازل. مئات من المسلحين قتلوا في المعارك التي أخفقت في تحريك خطوط التماس بين الجانبين. نشر الناشطون مقاطع فيديو لسوريين أنهكهم الجوع والحرب على شبكات التواصل الإجتماعي.
يقول رجل مسن ضعيف في مقطع فيديو التقط قرب العاصمة دمشق :” لا يمكننا الحركة, والمشي. هذا الوضع لا يمكن أن يدوم”.
ولكن واحدة من أبرز المؤشرات الصادمة لما فعلته أربع سنوات من الصراع في سوريا جاء من الفضاء هذه المرة, وذلك مع ظهور صور أقمار صناعية جديدة تصور الدمار الشامل والتشريد وانطفاء الأضواء في أربعة أخماس البلاد, وفقا لتحليل صدر عن جامعة زي لي وان في الصين وجامعة ميريلاند في كولج بارك.
بدأ الصراع السوري قبل أربعة أعوام من هذا الأسبوع وذلك مع اندلاع مظاهرات دعت إلى الإصلاح السياسي المستوحى من انتفاضات الربيع العربي في أماكن أخرى في الشرق الأوسط.
من ذلك الحين, أطق الرئيس بشار الأسد العنان لجنوده وشبيحته لقمع الاضطرابات؛ ونظمت المعارضة مجموعات متمردة مسلحة؛ وقامت القوى الأجنبية بتقديم المساعدات العسكرية؛ ونتج عن ذلك انتشار العنف والفوضى في مساحات كبيرة من البلاد, مما سمح للجماعات المتطرفة بإقامة موطئ قدم لها وزيادة قوتها هناك.
دخلت سوريا عامها الخامس من الصراع دون وجود أي مؤشرات على نهاية الحرب في أي وقت قريب. الجهود الدولية لجمع الأطراف المتحاربة مع بعضها من خلال محادثات سلام فشلت تماما, ومبعوث الأمم المتحدة ستافان دي مستورا لم يحقق أي تقدم يذكر حتى في هدفه المتواضع المتمثل في وقف إطلاق نار على المدى القصير في واحدة فقط من المدن التي تشكل ساحة حرب في سوريا.
بدلا من ذلك, توجه الانتباه الدولي إلى العمل العسكري ضد متطرفي الدولة الإسلامية, الذين يسيطرون على أجزاء من سوريا والعراق والذين صدموا العالم عبر قطعهم لرؤوس خصومهم وتدمير المواقع التاريخية.
تقول المنظمات الإغاثية بأن ظهور داعش, لم يؤد إلى نتشار الحرمان والعنف على المجتمعات التي اجتاحتها فقط, ولكنه أدى إلى تحويل نظر المجتمع الدولي من الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي انتشرت حاليا إلى ما هو أبعد من حدود سوريا. سجل العام الماضي على سبيل المثال أعلى معدلات الهجرة عبر المتوسط باتجاه أوروبا. العديد من أولئك الذين يشاركون في هذه الرحلات القاتلة هم من السوريين.
أصدرت المنظات الإنسانية عددا كبيرا من التقارير في ذكرى بداية الحرب التي أصبحت تشير إلى مدى صعوبة الحياة التي يعيشها السوريون الآن.
حوالي نصف سكان البلاد خرجوا من منازلهم, وفقا للأمم المتحدة, وحوالي أربعة ملايين آخرين أصبحوا لاجئين في الخارج, مما أدى إلى زيادة العبئ على الدول المجاورة مثل تركيا والأردن ولبنان.
ذكر تقرير صادر عن المركز السوري لأبحاث السياسات بأن التعليم يشهد “حالة انهيار”؛ وأن 6% من السوريين قلتوا أو أصيبوا؛ وأن متوسط العمر للسوريين هبط أكثر من 20% منذ عام 2010.
وقالت فاليري آموس, منسقة الإغاثة السابقة في الأمم المتحدة :” الأرقام مذهلة, لقد أصبحت الأرقام مذهلة بحيث إنها لم تعد تعني شيئا للناس”.
بالنسبة للمدنيين السوريين في البلاد, أصبحت هذه الحرب دوامة موت وفقر وتشرد بالنسبة لهم.
نايف عبد القادر, وهو معلم, هرب من بيته الواقع في قرية قرصاية شمال سوريا مع زوجته وأولاده الستة منذ بداية الحرب بسبب اندلاع القتال بالقرب من قريته ولأن المتمردين المحليين قالوا إنهم كانوا بحاجة إلى وقت لإخراج قوات الحكومة من المنطقة.
عادت الأسرة فيما بعد لتجد بيتها مدمرا, والحقول محترقة وقوات الحكومة تقصف المنطقة بشكل مستمر. ولكن ومع عدم وجود أي مكان آخر يذهبوا إليه, استقرت العائلة هناك.
المدرسة التي كان يعمل بها السيد عبدالقادر أغلقت أبوابها, وبالتالي خسر رابته لأن شخصا ما أخبر الحكومة بأنه انضم إلى المتمردين. وبالتالي بدأت عائلته بزراعة الخضار, كما قال.
حوصرت المنطقة, ولهذا اضطر للرحيل مع أسرته مرة أخرى, والعيش في كهف لبضعة أشهر ومن ثم في بيت مهجور لأسرة أخرى هربت خارج البلاد.
عندما وصل القتال إلى هناك, انتقلت الأسرة إلى مخيم على الجانب السوري من الحدود التركية, حيث استطاعوا تدبير أمورهم بسبب الأموال التي يرسلها أخو عبد القادر الذي يعمل في لبنان.
قال عبد القادر عبر الهاتف “المساعدات التي تأتي إلى المخيم نادرة, ولكننا لا زلنا على قيد الحياة”.
الحياة تزداد صعوبة حتى في المناطق التي لا تقع تحت التهديد المباشر للعنف.
سكان دمشق, التي تقع تحت السيطرة المحكمة لقوات الحكومة والميليشيات الموالية لها, اعتادوا على الطوابير الطويلة, وارتفاع الأسعار ونقص إمداد غاز الطبخ ووقود التدفئة وحتى الخبز.
كما يقول الكثيرون إن الحرب دمرت النظام الاجتماعي, وأصبح للمسلحين اليد العليا في كل الأماكن تقريبا.
في إحدى الليالي في دمشق مؤخرا, انتظر مئات من الناس في طابور طويل في الشارع من أجل شراء الحصة التي خصصتها الحكومة لهم والمكونة من ثمانية أرغفة من المخبز عندما جاء فجأة مجموعة من الرجال المسلحين الموالين للحكومة ووقفوا عند الباب.
صرخ أحدهم :” أنا من الأمن. افتح الباب أو سوف أكسره”.
ذهب الرجال بعد ذلك مباشرة, وأيديهم مملوءة بأكياس الخبز.
الأمل بأن الوضع سوف يتحسن ارتفع قبل عام عندما مرر مجلس الأمن أول قرار له حول سوريا, والذي دعا فيه إلى وصول غير مشروط للمساعدات الإنسانية. القرار الآخر تم فيه السماح بمرور الشحنات الإنسانية عبر الحدود التي لا تقع تحت سيطرة الحكومة السورية.
ولكن الأسبوع الماضي, أصدر تجمع من 21 منظمة إغاثية تقريرا قاسيا قال فيه إن القرارات فشلت في إحدث أي فرق على الأرض.
قال دانيل غوريفان, المشرف على سياسة سوريا في منظمة أوكسفام, إحدى الجماعات التي شاركت في إعداد التقرير:” هناك المزيد من الموت والنزوح وزيادة في القيود التي تفرضها دول الجوار ووضع أكثر بؤسا للاجئين الذين نزحوا داخل البلاد”.
في الدول المجاورة لسوريا, تسبب طوفان اللاجئين بزيادة العبئ على الاقتصادات والميزانيات. في لبنان, حيث واحد من كل خمسة أشخاص هو لاجئ, فإن بعض المجتمعات تحولت بسبب المد البشري.
منذ أن بدأ الصراع, تضاعف عدد سكان بلدة سدنايل اللبنانية من حوالي 15000 نسمة إلى أكثر من الضعف نتيجة لوصول اللاجئين, كما ذكر رائد صوان, نائب رئيس مجلس المدينة.
وأضاف, بينما كان يقود عبر البلدة ويشير إلى المخيمات التي انتشرت في كل مكان :” إنها مكتظة وقذرة. إنها حياة بائسة”.
بالكاد يمكن للبلدة مواكبة الواصلين الجدد, كما قال, ولا يمكن لميزانية البلدية تحمل جمع القمامة أو القيام بالخدمات الأخرى. معظمة المخيمات لم توصل بأنظمة الصرف الصحي, وأصبحت الخيم عبارة عن بيوت غارقة في المياه الخضراء في خنادق الري القريبة.
على أطراف البلدة, مئات من اللاجئين يقيمون في سقيفة قديمة لتربية البقر قسمت إلى غرف صغيرة. معظمهما لا تغطيها أكثر من بطانيات وفرشات رقيقة, ورائحة حرق البلاستيك تملأ المكان نتيجة لمحاولة اللاجئين البقاء دافئين.
يقول فياض عقلة, البالغ من العمر 47 عاما :” ليس هناك حطب, ولهذا فإننا نحرق القمامة”.
لدى العديد من اللاجئين أطفال في لبنان غير مسجلين, مما يجعلهم دون جنسبة رسمية ومما يزيد من احتمالية أنهم سوف يواجهون مشاكل في العودة إلى سوريا ما أن تنتهي الحرب.
في حين يقول معظم اللاجئين إنهم لا زالوا يأملون في العودة إلى منازلهم, إلا أن البعض يعتقد أن ذلك غير ممكن.
يقول فريد قاسم ذو ال29 عاما :” قطعت أي أمل بالعودة”.
خرج قاسم من منطقة القصير المتنوعة دينيا في وسط سوريا, حيث دمر القتال ما بين المجتمعات العلاقات الطائفية بحيث إنه لم يعد يعتقد أنه يمكن أن يعيش مرة أخرى مع جيرانه القدامى.
وأضاف قائلا:” الحرب هناك لا يمكن أن تنتهي”.
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي