على مدار عام كامل، رافق المُخرج الهندي الأصل جورج كوريان، مجموعة من اللاجئين السوريين الأصدقاء الذين كانوا يعيشون في مصر، في رحلاتهم المُضنيّة للبحث عن حياة جديدة بعيداً من الشرق الأوسط، ليجمع بعد ذلك أبرز محطات ذلك العام ويقدمها في فيلمه التسجيلي «العبور»، الذي وصل الى العرض التلفزيوني في هولندا أخيراً.
يبدأ الشريط من مصر، التي كان يخططون لمغادرتها الى اوروبا. ثم يلحقهم الى أماكنهم الجديدة في القارة الحُلم، حيث يعيشون اليوم، مُتوزعين على دول أوروبية. وينجح المخرج في إقناع مجموعة الأصدقاء بتصوير رحلتهم البحرية غير الشرعية من مصر الى إيطاليا في سابقة للسينما التسجيلية التي توثق الأزمة السورية المتواصلة.
بَدَت مُقاربة الفيلم واعية بتعقيد وحساسية أزمة اللاجئين السوريين الى اوروبا، وثقل الصور النمطية التي تحيط بهذه الأزمة، اذ ترسم أحياناً كهجرة اقتصادية من العالم الفقير الى الغنى والرفاهية. فاهتم المخرج بالتركيز على الأُفق المغلق لحياة اللاجئين السوريين في الشرق الأوسط، وقدم في هذا الاتجاه تغطيات تلفزيونية من فضائيات عربية تكشف ما يتعرض له اللاجئ السوري في مصر بالتحديد من مضايقات، وأن شبح الإبعاد الى سورية او السجن كانا يشغلان شخصيات الفيلم.
وقع اختيار المخرج على مجموعة من المثقفين السوريين، منهم الصحافية والموسيقي. سيعرفنا الفيلم اليهم في مصر، ويسجل شهادات لهم عن حياتهم في سورية. بعضهم اشترك في الثورة السورية الشعبية. وآخرون قرروا أن لا مكان لهم في البلد الذي تغطيه الدماء منذ أربعة أعوام فحملوا حقائبهم ورحلوا. ستستعيد الشخصيات نفسها من بلدانهم الأوروبية الجديدة حيواتها السابقة في سورية. تحمل شهادات الجزء الأوروبي حزناً وجزعاً أكثر من تلك التي سجلت في مصر، وكأن الشخصيات وبعدما التقطت أنفاسها في حياتها الجديدة، انتبهت لخسائرها الشخصية. وبدت بمراجعة شريط الأحداث. بل أن إحدى الإمهات بكت من الندم أنها خاطرت بحياة أطفالها في تلك الرحلة البحرية.
ولعل المشاهد للحياة في السفينة في منتصف البحر، ستضيف كثيراً من الأهمية الأرشيفية لهذا العمل التسجيلي، وتُكمِّل مع تلك التي صورتها وسائل إعلام لسفن اللاجئين وهي تقطع البحر صورة ما لما يحدث في رحلات اللاجئين البحرية. ستنقذ سفينة إيطالية مركب السوريين، وتقودهم الى الأمان الإيطالي.
وفي أحد المساءات الايطالية السعيدة لشخصيات الفيلم، يبوح الموسيقي الشاب للكاميرا، بأن المجموعة ستتشتت في اليوم التالي وأن عشاءهم في مركز اللجوء الايطالي ربما سيكون الأخير لهم مجتمعين. فالرحلة لم تصل الى وجهتها بعد. وعلى المجموعة الإنطلاق في الغد الى دول أوروبية بعيدة.
يعود الفيلم الى شخصياته بعد أشهر قليلة من وصولها الى دولها الأوروبية الجديدة، فيجدها تعيش في مراكز اللاجئين في دول: السويد، فرنسا، هولندا، المانيا، تنتظر قرارات الجهات المختصة في شأن بقائها. في هذا الجزء، يعكس الفيلم المشاكل الجديدة التي تواجه شخصياته، ومنها ضياع الهدف واللاجدوى والانتظار الذي لا ينتهي كما وصف أحدهم. كما بدأت الشخصيات تلتفت الى الدمار الذي أصاب بلدها. في واحد من مشاهد الفيلم المؤثرة، يُشير الشاب الذي يعيش مع أُمّه في قرية هادئة في السويد، الى صورة على شبكة الإنترنت لبناية مُحطمة في إحدى المدن السورية: «هناك كان بيت جدي الذي كان يجمع العائلة الكبيرة كلها»، يتحدث الشاب الذي لم يتعد الثامنة عشرة، بحسرة الكهل.
تتحول الحياة اليومية لشخصيات الفيلم في دول اللجوء الاوروبية الى سياقات موضوعية تضيف نوعاً من البناء الخاص. فيتنقل الفيلم بين الشخصيات وهي تخطو خطواتها الأولى لتعلم لغات الدول الجديدة. بعضهم لن يملك الحظ للإلتحاق بمدارس اللغات المزدحمة كثيراً بسبب أعداد اللاجئين غير المسبوقة. كما سيخصص الفيلم وقتاً للبيوت الجديدة التي تعيش فيها شخصياته. ومنها الغرفة التي يتشارك فيها الموسيقي الشاب مع لاجئين آخرين في مدينة برلين، والتي بدأت أجواؤها المعتمة وازدحامها تخنق أحلام هذا الشاب، والذي سيكشف للفيلم انه سيعود الى سورية حال توقف العنف، في إشارة أولية إلى أنه لم يجد مكانه بعد.
الحياة