برر حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني الشيعي في أكثر من مرة قرار المشاركة في الحرب السورية بالغ الخطورة وذلك للدفاع عن نظام بشار الاسد، بأنه يريد أن يقاتل الإرهاب ويمنعه من القدوم إلى لبنان.
وبعد سنوات من المعارك ضد “الإرهابيين” في سوريا لم يفلح حزب الله ـ كما خطط نصرالله ـ في منعهم من أن “يأتوا إلى لبنان” ويوجهوا له ضربات قاتلة وفي معقله الرئيسي، كان أحدثها التفجيران الانتحاريان اللذان وقعا في الضاحية الجنوبية لبيروت الخميس.
وفي كلّ مرة اضطرته الهزائم المتلاحقة التي حصدها مقاتلوه في سوريا لأن يظهر في وسائل الإعلام لمخاطبة أنصاره الذين بدأ ينتابهم شك كبير في جدوى الحرب العبثية في سوريا وفي خطورتها، يكرر نصرالله موقفه الشهير “لو لم نقاتل في حلب وحمص ودمشق، لكنا سنقاتل في بعلبك والهرمل والغازية وغيرها”.
ويقول محللون إن حزب الله ربما سيكون مضطرا فعلا في وقت قريب إلى قتال “خصومه الإرهابيين” في بعض المدن اللبنانية لأن قتاله لهم في كثير من المدن السورية لم يردعهم واقعيا عن القدوم الى لبنان، الأمر الذي يؤكد سقوط مبرراته لمشاركته في الحرب السورية رغم رفض طيف واسع من اللبنانيين لها ورغم انها لم تكن قرارا سياديا لبنانيا خالصا.
وأعلن لبنان الجمعة يوم حداد وطني بعد تفجيرين انتحاريين اديا الى مقتل 41 شخصا وجرح نحو مئتين آخرين الخميس في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت في اعتداء تبناه تنظيم الدولة الاسلامية.
وهذا الاعتداء هو الاكثر دموية منذ اعلان حزب الله اللبناني مشاركته في النزاع المستمر منذ 2011 في سوريا. كما انه واحدا من اكثر الهجمات دموية منذ انتهاء الحرب الاهلية في لبنان (1975-1990).
واعلن وزير الصحة اللبناني وائل ابو فاعور خلال تفقده موقع الانفجارين في منطقة برج البراجنة مساء الخميس ان حصيلة الضحايا “ارتفعت الى 41 شهيدا وما يزيد عن مئتي جريح (…) اصابات عدد كبير منهم خطرة”. وارتفعت الحصيلة لاحقا إلى 43 قتيلا.
واضاف ان المعلومات تشير الى ان انتحاريا ثالثا قتل في التفجير الثاني. واكد الجيش اللبناني العثور على جثة إرهابي ثالث لم يتمكن من تفجير نفسه.
واوضح الجيش في بيان ان “أحد الارهابيين اقدم على تفجير نفسه بواسطة أحزمة ناسفة (…) تلاه إقدام إرهابي آخر على تفجير نفسه بالقرب من موقع الانفجار الاول” ما تسبب بارتفاع كبير في عدد الضحايا. ووقع التفجيران بفارق سبع دقائق.
وهذا الهجوم هو أول هجوم منذ أكثر من عام يستهدف حزب الله المدعوم من إيران والذي أرسل مقاتلين إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات الرئيس بشار الاسد.
ووقع التفجيران في نفس اليوم الذي شهد انعقاد أول جلسة للبرلمان اللبناني منذ أكثر من عام.
وتبنى تنظيم الدولة الاسلامية في بيان تداولته حسابات ومواقع جهادية على الانترنت الهجوم الذي وصفه بانه “عملية امنية نوعية”.
وقال ان عناصره تمكنوا “من ركن دراجة مفخخة وتفجيرها (..) في ما يعرف بشارع الحسينية في منطقة برج البراجنة”.
وأضاف “بعد تجمع المرتدين في مكان التفجير” فجر احد عناصر التنظيم حزامه الناسف “في وسطهم”.
وذكر مصدر امني ان الانتحاريين وصلا الى المكان سيرا على الاقدام.
وقال حسين خليل، المعاون السياسي للامين العام للحزب حسن نصرالله انها “جريمة موصوفة (…) بحق الإنسانية جمعاء”.
واضاف ان هذا الاعتداء “يشكل حافزا اساسيا لنا جميعا (…) ان نقف صفا واحدا خلف المقاومة والجيش والاجهزة الامنية (…) في وجه قوى الارهاب والتكفير”.
وخصص التلفزيون المحلي نشراته الصباحية لتغطية الهجوم.
ووصفت صحيفة لوريان لو جور الناطقة بالفرنسية الهجوم بعبارة واحدة في عنوان الصفحة الاولى هي “غير مقبول” بينما نشرت صحيفة الديار صورا مروعة لجثتي المفجرين الانتحاريين إحداها لرأس منفصل مخضب بالدماء.
وقالت صحيفة الأخبار الموالية لحزب الله إنه لا مجال للتقهقر بعد أن تعهدت الجماعة الشيعية بمواصلة القتال ضد “الإرهابيين” وحذرت من حرب طويلة الأمد مع أعدائها.
وأدانت السعودية “التفجير الارهابي” بينما وصفته الولايات المتحدة بانه “ارهابي وشنيع”مؤكدة انه “لا يؤدي الا الى تعزيز التزامنا في دعم مؤسسات الدولة اللبنانية ومن بينها الاجهزة الامنية لجعل لبنان مستقرا وآمنا وذات سيادة”.
ووصف الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الاعتداء بـ”العمل الحقير” ودعا اللبنانيين الى “مواصلة العمل للحفاظ على امن واستقرار” البلاد.
من جهته، اعرب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عن “سخطه” معتبرا الاعتداء “عملا دنيئا”.
ومنذ موجة التفجيرات التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت بين 2013 و2014، ينفذ حزب الله والقوى الامنية تدابير مشددة على مداخل الضاحية وعمليات تفتيش دقيقة للسيارات.
وشهد لبنان منذ بدء النزاع السوري منتصف آذار/مارس 2011 سلسلة من اعمال العنف والتفجيرات التي ادت الى مقتل العشرات.
واستهدفت الضاحية الجنوبية ومناطق اخرى محسوبة على حزب الله بتفجيرات عدة كان آخرها في حزيران/يونيو 2014. وتبنت بعض هذه التفجيرات مجموعات جهادية، قالت انها تأتي ردا على مشاركة الحزب الشيعي في القتال في سوريا.
لكن لا بدو في وارد أن يتراجع نصرالله عن خيار استمرار مشاركته في الحرب السورية أولا لأن هذه المشاركة هي التزام منه في سياق التحالف الإقليمي المقدس مع إيران في الدفاع عن نظام الاسد، وثانيا لأن منطق تفكيره وتفسيره للأحداث لن يقبل الخروج من سوريا في الوقت الراهن، وهو يجرّ أذيال ما يصفها الكثيرون بأنها “خيبة وهزيمة مدوية” في سوريا.
وقال نصرالله في وقت سابق من العام الجاري، “سنقاتل في كل مكان، بلا وجل ولا مستحى من أحد، سنقاتل بعيون مفتوحة، ومن لا يعجبه خيارنا فليفعل ما يراه مناسبا له”.
واضاف “لا نهتم لتوهين الإنجازات التي تحققها معاركنا ويقوم البعض بإنكارها. ولو سقطت كل المدن، فلن يحبط هذا الأمر عزيمتنا”.
وذهب الأمين العام لحزب الله إلى أكثر من ذلك عندما خيّر اللبنانيين جميعهم شيعة سنة بين ثلاثة خيارات أحلاها مرّ، وهي “أن نقاتل أكثر من السنوات الأربع الماضية، أو أن نستسلم للذبح والنساء والبنات للسبي، أو أن نهيم على وجوهنا في بلدان العالم ذليلين من نكبة إلى نكبة”.
واستدرك نصرالله بالتوضيح أنه يفضل أن يقتل ثلاثة أرباع مقاتليه ليعيش الربع الباقي في كرامة.
ولفت نصرالله إلى أنه سيطلب من اللبنانيين جميعهم خوض حربه في سوريا ولن يكتفي بمقاتلي الحزب قائلا “الآن وقت التعبئة، الكل يستطيع أن يشارك، في المرحلة المقبلة قد نعلن التعبئة العامة على كل الناس، وقد نقاتل في كل مكان”.
ميدل ايست أونلاين