أربع سنوات مرت على إعفائه من منصب وزير الخارجية في حكومة عبد الإله بنكيران، لتتبدل الأدوار في ليلة وضحاها ويصبح الطبيب النفسي سعد الدين العثماني، رئيسا للحكومة المغربية.
العثماني المولود في مدينة إنزكان جنوبي المغرب عام 1956، كلفه عاهل البلاد الملك محمد السادس، اليوم الجمعة، بتشكيل الحكومة خلفاً لبنكيران الذي لم يحالفه الحظ في تشكل وزارته على مدار نحو خمسة أشهر.
خصوم العثماني قبل أصدقائه، يشيدون بهدوئه ورزانته، ويسجلون له قدرته العالية على تجنب الصدام والتصريحات المثيرة للجدل.
ينطبق عليه، في علاقته مع بنكيران، قول الفيلسوف اليوناني “من الاختلاف يأتي أجمل ائتلاف”، فمنذ أن التقى الرجلان بتنظيم “الشبيبة الإسلامية” أواسط سبعينيات القرن الماضي، وهما يختلفان في تصريف رؤيتهما للعمل الجمعوي والسياسي، وطريقة الوصول إلى الهدف، لكنهما يتفقان على نفس التوجهات الكبرى.
ومنذ أن غادرا سفينة تنظيم عبد الكريم مطيع (مؤسس الشبيبة الإسلامية) الذي اختار العمل الثوري والمسلح، اختار العثماني، وهو سليل أسرة أمازيغية عريقة، وصفها العلامة محمد المختار السوسي بأنها ثاني أسرة في المغرب تسلسل فيهما العلم أكثر من ألف سنة، أن يدرس علوم الفقه وأصوله.
وأراد العثماني من خلال دراسة الفقه وأصوله، أن يثبت لمخالفيه من الإسلاميين صحة اختيارات تنظيمه الجديد “الجماعة الإسلامية” (أسسها إلى جانب بنكيران وشباب آخرين)، وبعدها “حركة الإصلاح والتجديد” ثم “حركة التوحيد والإصلاح”، من خلال التأليف والنقاش العلمي، بدل الاكتفاء بالنقاش السياسي، كما اختار عبد الإله بنكيران.
اشتغاله كطبيب نفسي، لسنوات طويلة، أكسبه خبرة كبيرة في التعامل بحلم مع مخالفيه، واحتفاظه بالهدوء في النقاش، وتجنب العبارات الجارحة.
أكثر مؤاخذاته على بنكيران، هو اندفاعه في تصريحاته، وشن حروب كلامية مع المنافسين.
أما العثماني، فابتسامته لا تفارق ملامح وجهه مع الجميع، ولا يخوض أية حرب كلامية، ولا تسمع منه أي تصريحات “نارية”، وهو ما يجعله رجل التوافقات في تقدير الجميع.
حين تولى حقيبة وزارة الخارجية والتعاون في النسخة الأولى من الحكومة المنتهية ولايتها، في يناير/كانون ثان عام 2012 بعد فوز حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات التشريعية، لم يجد صعوبة في التأقلم مع متطلبات العمل الدبلوماسي، بحكم أنها تمثل جزءا من شخصيته.
وحتى بعد أن تم إعفائه من منصب وزير الخارجية في النسخة الثانية للحكومة يوم 10 أكتوبر/تشرين أول 2013، ظل متكتما على الملفات التي كان يعمل عليها، رغم خلافه مع العديد من المسؤولين بالدبلوماسية المغاربة، في تدبير عدد من الملفات.
اهتمامه الكبير بقضية الصحراء، جعله يراكم صداقات متينة مع دبلوماسيين مغاربة، ويطور معارفه بالعلاقات الدولية والدبلوماسية.
وفي مساره الأكاديمي حصل الدكتوراه في الطب عام سنة 1986، بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، وشهادة الدراسات العليا في الفقه وأصوله سنة 1987 بدار الحديث الحسنية الرباط، ودبلوم التخصص في الطب النفسي سنة 1994 من المركز الجامعي للطب النفسي، بالدار البيضاء (كبرى مدن البلاد).
فضلاً عن شهادة ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط عام 1999، في موضوع ”تصرفات الرسول صلى الله عليه بالإمامة وتطبيقاتها الأصولية”.
بدأ يهتم بعلوم التربية، ويراكم فيها العديد من الأبحاث والدراسات، ليصبح عمله السياسي يؤهله، ليصبح وزيرا للصحة، أو وزيرا للتربية والتعليم.
لكن اهتمامه بالقضية الأولى لبلده (الصحراء) وتقلده لمسوؤليات بحزبه كمهندس لعلاقاته الخارجية، جعله يختار كرسي الدبلوماسية بالحكومة المنتهية ولايتها.
صرح في الكثير من الحوارات الصحفية أن الملكية في المغرب عليها إجماع في الشارع المغربي ومن القوى السياسية.
ويرى أنه من واجب حزبه تطوير العلاقة بين مختلف القوى الموجودة.
ويعتبر أنه كان هناك دائما تعاون بين الملكية والأطراف الأخرى الفاعلة لتحقيق الاستقلال وتنمية البلاد.
اعتقد أن المرحلة القادمة من التطور في المغرب سوف تحدث بتطوير العلاقة بين الملكية وكافة القوى الفاعلة ، ومن الطبيعي أن تكون هناك اختلافات في وجهات النظر إلى بعض الأمور كعلاقة الملك بالحكومة وعلاقة الحكومة بالبرلمان واستقلال القضاء ، والنقاش يعمق التطوير بين هذه الإطراف المدركة لأهمية الحوار، ونتوقع تطوير الوضع السياسي إلى الأمام وبشكل إيجابي. لكنه بالمقابل يشدد على أن الملكية بالمغرب ديمقراطية.
المصدر:وكالة الأنضول