كشفت الغارات الجوية للدول الغربية هذا الشهر على سوريا محدودية مشاركة هذه الدول في وقف الحرب هناك. فمهما كانت الأهداف التي صممت الغارات لتحقيقها إلا أن تغيير مسار الحرب لم يكن واحداً منها ولا حتى تغيير نظام بشار الأسد، تقول صحيفة «تايمز» في تقرير لها «سوريا: يواصل الأسد إطلاق النار في حرب لا منتصر فيها».
وتضيف إنه بعد سبعة أعوام من الحرب الدموية والقتل الجماعي والنزاع الذي خلق أزمة لاجئين فلا أحد – باستثناء بقايا المعارضة التي لا تزال تقاتل – قادر على الإطاحة بالنظام الجالس الآن في وسط دمشق. فيما تنهار سريعاً الجيوب الأخيرة للمقاومة حول دمشق من دوما، مكان الهجمات الكيميائية والتي كانت سبباً في الغارات إلى القلمون الشرقية التي استسلم فيها المقاتلون نهاية الأسبوع. وما بقي لبشار الأسد في هذه الحرب المستمرة يتراوح بين انتصار هو رقصة حرب وسلام على الطريقة القرطاجية، أي فرضه على المهزوم.
الثمن
وقد وضع الأسد نفسه ثمن إعادة إعمار البلاد بـ 400 مليار دولار وما بين 10-15 عاماً من العمل. وهذا خلاف ما رغب الغرب به وهي نهاية للحرب السورية بدونه. مع ان الغرب والولايات المتحدة تحديداً لم ترفق الرغبة هذه بقوة عسكرية شاملة، وقد تراجع الخيار منذ وقت طويل كهدف من أهداف الحرب، أي خروج الأسد من المشهد. وبسبب التجربة المرة في العراق فقد ظلت اليد الغربية في سوريا محدودة ولم تتعد الدعم القليل للمعارضة السورية. وعندما قتل الأسد المئات من أبناء شعبه بغاز السارين في عام 2013 فشل الغرب بالتدخل وتغير بذلك مسار الحرب وطبيعتها، ولم تعد الجماعات المعتدلة تثق بالغرب أو تنتظر مساعدة من العالم الخارجي. وبدأت هذه الجماعات بخسارة مقاتليها الذين هربوا إلى الفصائل المتشددة بشكل أعطى رواية الأسد عن القوى العلمانية التي تقاتل جماعات إرهابية مشروعية. وعندما تدخل الغرب وحلفاؤه العرب في سوريا فإنهم لم يأتوا للقتال نيابة عن السوريين بل لمحاربة تنظيم الدولة الذي لم يعدم الرهائن الغربيين أمام عدسات الكاميرا فحسب بل وكان يريد تصدير رؤيته إلى العواصم الغربية، باريس وبروكسل مثلاً.
في المقابل لم يظهر الأسد شهية لمحاربة تنظيم «الدولة». فمع بداية الإنتفاضة قام بالإفراج عن عدد كبير من السجناء الإسلاميين، حيث أراد من هذا العمل تشويه المعارضة ونزع الشرعية عنها. وجاء التدخل الغربي لقتال الجهاديين ومعالجة المشكلة نيابة عن النظام، وفي الوقت نفسه شعرت روسيا بأن هناك فرصة أمامها فأرسلت طائراتها باسم مكافحة الإرهاب. ولكنها بدلاً من ضرب الجهاديين قررت قصف المعارضة المسلحة مستخدمة في هذا غطاء محاربة التطرف الإسلامي الذي دخل الغرب لمواجهته. وترى الصحيفة أن المعركة على سوريا كانت حرباً جيوسياسية: فرغم العناوين المثيرة والوحشية عن قطع الرؤوس واسترقاق النساء والصلب إلا أن غالبية السوريين لم يهربوا من تنظيم الدولة بل من حكومتهم، فقد خلفت الحرب أكثر من 400.000 قتيل و 6 ملايين لاجئ وعدداً مماثلاً من النازحين في بلادهم. وانتهى تنظيم «الدولة» الآن وخسر 98% من مناطقه، حسب تقديرات المخابرات البريطانية وتحول لبقايا حركة متمردة. ولا تحتاج روسيا الآن للتظاهر بأنها تقاتل تنظيم الدولة، فهي تتعامل مع كل أعداء النظام بأنهم إرهابيون.
مثال حلب
وتستدرك الصحيفة أن الاتفاقية للسيطرة على حلب المحطمة استنسخت في كل المناطق التي وجدت فيها جيوب للمقاومة. وفي الحقيقة لم تكن هذه اتفاقيات سلام بقدر ما كانت استسلاما. فقد تم طرد المقاتلين وعائلاتهم من مناطق مثل الغوطة الشرقية ونقلوا بالحافلات إلى إدلب، المنطقة الوحيدة الباقية تحت سيطرة المعارضة. ومن بين 2.6 مليون نسمة يعيشون في المحافظة هناك 1.6 مليون نازح شردوا من بيوتهم في أنحاء سوريا. ومن المفترض أن تكون إدلب واحدة من مناطق خفض التوتر التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا. وفي هذا الأسبوع التقت الدول المانحة في بروكسل لمناقشة المأساة الإنسانية وأولويات الدعم وكانت التحذيرات واضحة من ان إدلب ستكون الجبهة المقبلة حيث ركزت دمشق معارضيها فيها، وهي الطرف الوحيد في النزاع الذي يملك القوة الجوية، وبالتالي يمكنها أن تطلق النار عليهم مثل سمك في برميل.
وقال يان إنغلاند منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: «ما أخشاه هو قول الحكومة السورية أن المكان مليء بـ «الإرهابيين» ويمكننا شن حرب مثل التي شنت في حلب والغوطة الشرقية» مضيفاً «نعم هناك أشرار من أصحاب اللحى ولكن هناك نساء وأطفالاً أكثر منهم ويستحقون الحماية ولا يمكنك شن حرب على فرضية أن كل شخص إرهابي وإلا سيتحول الوضع لكابوس». ولهذا كانت الرسالة من بروكسل هي مناشدة روسيا المساعدة في بناء السلام. وربما حاولت روسيا توسيع تأثيرها وإهانة الغرب وإقامة قواعد عسكرية في الشرق الأوسط لكنها لا تملك المال لإعادة إعمار الأمة المحطمة. والطعم الذي بيد الغرب: ليس لديك المال ولهذا يجب أن تلعب لعبتنا في النهاية.
… واليوم بدأ بمصادرة بيوت اللاجئين السوريين
وفي سياق مختلف نشرت الصحيفة نفسها تقريراً أعدته كل من كاثرين فيليب وهانا لوسيندا- سميث عن مرسوم جديد يطالب اللاجئين السوريين بالتقدم للبلديات بشهادات الملكية (الكواشين) وإثبات ملكيتهم للعقارات الخالية من سكانها وإلا صادرتها الدولة وأصبحت من الأملاك العامة. وسرى مفعول المرسوم 10 في هذا الشهر ومنح أصحاب الأملاك 30 يوماً لإثبات الملكية، أي لغاية 10 أيار (مايو) . وقالت الصحيفة إن هذا يعني خسارة الملايين لممتلكاتهم خاصة أن نصف سكان سوريا فروا من البلاد بسبب الحرب الأهلية أو أصبحوا نازحين في بلادهم. وفر في الأسبوعين الماضيين أكثر من 100 ألف مدني من المناطق التي كانت تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة حول دمشق وذهبوا في حافلات إلى إدلب الخاضعة للمعارضة.
ومعضلة السوريين في إثبات ملكيتهم أن المرسوم يقضي بحصول أصحابها على موافقة من المخابرات التي يحاول الناس تجنب التعامل معها، وهي موجودة فقط في مناطق الحكومة، مضيفة أن آلافاً من المعارضين السوريين والمؤيدين لهم داخل سوريا وخارجها معرضون لخطر الاعتقال. وتعتبر هذه الخطوة، حسب كريستن بيندكيت من «أمنستي إنترناشونال» بمثابة «محاولة من حكومة الأسد للاستفادة بطريقة لا تصدق من تهجير ملايين المواطنين من منازلهم»، وطالبت بضرورة حماية ممتلكات السوريين خارج البلاد. وأشار الكاتب محمد حيدر، المعارض السوري من مدينة حمص ويعيش الآن في بيروت إلى أنها «طريقة لإفراغ سوريا من جميع المعارضين». وتملك عائلته كما يقول مبنى كاملاً في حمص، وكان يعيش فيه نحو 30 شخصاً من أفراد عائلته قبل أن يغادروها هرباً من القصف الذي تعرضت له المدينة، وما زال المبنى قائماً رغم تدمير أجزاء منه.
وتقول الصحيفة إن الأسد كشف عن علامات بأنه يريد خلق سوريا «صديقة» في المناطق الخاضعة لسيطرته. وأخبر هذا الأسبوع وفداً برلمانياً روسياً أن بلاده بحاجة إلى 400 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحرب. مضيفاً أن إعادة البناء ستحتاج إلى 15 عاماً. وعبر عن رغبته بمنح الفرصة لروسيا: «نحن لا ننتظر الشركات الغربية لكي تأتي إلى هنا خاصة في مجال النفط والغاز» و»قد تحدثت عن هذا مع الرئيس بوتين في سوتشي. ونريد الشركات الروسية للعمل هنا ونتوقع دخولها للسوق سريعاً». وبدأت بعض موارد النفط بالوصول إلى روسيا، وتحصل شركات المرتزقة على حصة من حقول النفط التي سيطرت عليها. وقدر البنك الدولي الدمار الذي حل بسوريا بحوالي 250 مليار دولار. فقد هدمت أجزاء كبيرة من دمشق وحلب وحمص.
«أتلانتك»: صعود دعاة تغيير النظام في إدارة ترامب سيزيد من تمسك طهران ببرنامجها النووي
كتب ولي نصرـ الأكاديمي الأمريكي- الإيراني من جامعة جون هوبكنز والزميل في معهد بروكينغز مقالاً في مجلة «أتلانتك» عن عودة فريق تغيير النظام في إيران إلى الإدارة الأمريكية. وبدأ حديثه بالقول إنهم من بين النقاد الحادين للاتفاقية النووية مع إيران وهم الذين يرون أن استمرارها سيؤدي إلى نجاة القيادة الإيرانية. فمن خلال منحهم شريان حياة اقتصادياً، يعتقد هؤلاء أن الإتفاقية تمثل فشلاً ذريعاً.
ويجب أن يكون الهدف تغيير النظام لا وقف النشاطات النووية الإيرانية. وقد عاد الدعاة المتحمسون اليوم بعدما نفضوا عن أكتافهم دروس العراق وأصبحوا على قمة السياسات الخارجية الأمريكية. فجون بولتون، مدير الأمن القومي الجديد كان من الدعاة الدائمين لتغيير النظام. وقال قبل فترة إن على الإدارة تبني هذا كهدف من أهداف السياسة الخارجية، مع أن بولتون وأشكاله يدفعون باتجاه وقف البرامج النووية لكوريا الشمالية ويخططون لقمة بين الرئيس دونالد ترامب وكيم جونغ-أون الزعيم الكوري.
وستصل التحضيرات ذروتها بحلول 12 أيار/مايو، الموعد النهائي لتجديد الإتفاقية النووية. وستجد الإدارة نفسها في وضع غريب، فهي من ناحية تريد تمزيق اتفاقية نووية مع إيران وتحاول عقد واحدة مماثلة مع كوريا الشمالية. فمع صعود دعاة تغيير النظام في داخل الإدارة الأمريكية فالميول نحو تمزيق ترامب الإتفاقية النووية مع إيران ستكون عالية. إلا أن تداعيات قرار كهذا ستظهر حالاً في كل من إيران وعامة الشرق الأوسط وهو ما سيراقبه نظام كيم بدقة.
ويرى نصر أن دعاة تغيير النظام يشعرون بالجرأة بعد التظاهرات التي شهدتها إيران في الشتاء. ولأول مرة تقود المصاعب الإقتصادية لحالة من عدم الإضطرابات التي أدت لخروج ألاف من المتعلمين في الحواضر الإيرانية وفقراء الريف، وهم القاعدة نفسها التي تعتبرها الجمهورية الإسلامية خزان دعمها. وتواجه إيران ضغوطا لمواجهة الاحتياجات الاقتصادية عبر الاتفاقية النووية.
وقد يزداد الوضع خطورة،بشكل منع الإستثمارات الأجنبية وكان وراء قرار الحكومة في الشهر الماضي وأثر على قيمة العملة الإيرانية. ومنذ التظاهرات الأخيرة نظرت إدارة ترامب إلى النظام الإيراني بأنه عرضة للضعف. وعليه فلو تم فرض ضغوط إقتصادية إضافية فسيطرة النظام على السلطة ستضعف. ويعني تمزيق الاتفاقية العودة للعقوبات الاقتصادية الدولية على طهران، وهذه المرة ليس بسبب برامجها النووية بل لتجاربها في مجال الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى ولدعمها نظام بشار الأسد. وبناء على هذا السيناريو فستؤدي العقوبات لوقف الإستثمارات الأجنبية وتقييد حركة التجارة معها وبالتالي خروج إيران من سوق النفط العالمي.
ويقول نصر إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان توقع أثناء زيارته للولايات المتحدة ارتفاع سعر النفط إلى 80 دولاراً للبرميل، وهو المستوى الذي يريده لتحقيق أجندته الإقتصادية الطامحة. واستبعاد إيران من السوق النفطي سيساعد على تحقيق هذا. وتعتقد إدارة ترامب أن حالة الإقتصاد الإيراني الهشة قد تدفع طهران إلى القبول باتفاقية أحسن، واحدة يستعرض فيها ترامب عضلاته ويخطف البريق من باراك أوباما. إلا أن هذه استراتيجية خطيرة. فقد قادت واشنطن جهود المفاوضات لتوقيع الإتفاقية وتخلت أثناء ذلك عن عملية تغيير النظام.
ولو أحبط ترامب الإتفاقية ولم يقم بتحسينها بل واقترب أكثر من سيناريو تغيير النظام، فلن يكون قادرا على إقناع أعدائه ممن يمتلكون أسلحة خطيرة ودفعهم نحو المفاوضات. ففي غياب خيارات دبلوماسية فالحرب ستكون الطريق الوحيد المتوفر لأمريكا- وهو المسار الذي عبر المرشح ترامب غصبه منه. وحتى لو تمكن ترامب من تغيير النظام فربما لم يكن الشيء الذي يريـده.
فإلغاء الإتفاقية النووية وزيادة الضغوط الاقتصادية على إيران سيؤديان إلى تهميش المعتدلين الذين يريدون التعامل مع الغرب وفي الوقت نفسه تقوية الحرس الثوري وحلفائه من المتشددين. وقبل أن يحدث هذا فزعزعة الاستقرار الذي تأمل واشنطن بزرعه في إيران ستظهر في دول أخرى تريد امريكا استقرارها، مثل العراق. ذلك ان الإتفاقية النووية منحت كلاً من إيران والولايات المتحدة فرصة للتعاون التكتيكي في العراق أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة. وبدون اتفافية فسيتحول العراق مرة ثانية لساحة صراع بين طهران وواشنطن. وهناك تطور لا يريده أحد، وسيسبق أي محاولة نظرية لتغيير النظام وهو استئناف إيران تخصيب اليورانيوم وبمعدلات أعلى من نسبة 20% التي أثارت مخاوف المجتمع الدولي. وبل وزاد الأدميرال علي شمخاني، رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأمن القومي من سقف المواجهة حيث هدد بخروج بلاده من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية حالة قررت واشنطن إلغاء الإتـفاقية.
وكان ترامب قد هدد إيران يوم الثلاثاء قائلاً إنه في حال استأنفت برامجها النووية فستواجه مشكلة اكبر مع أمريكا. وليس من المتوقع ان تردع تهديداته طهران. وكلما رفعت الإدارة من عقيرتها بحثت القيادة الإيرانية عن وسيلة لحماية نفسها خلف الستار النووي. وعندها ستغير واشنطن من استراتيجيتها إلى تغيير النظام وتحاول جذب إيران إلى المفاوضات. وفي هذه المرحلة سيكون المشروع النووي قد تطور جداً وسيكون لديها ورقة ضغط أفضل مما كان عندما فاوضت إدارة أوباما. ويقول والي إن إدارة ترامب غير معنية بالمقترح الذي قدمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو البحث عن اتفاقية بديلة.
فترامب لا يريد البقاء في الإتفاق الحالي. وهو يبحث عن طرق لعقد صفقة القرن بناء على شروطه التي لن تذعن لها إيران سريعاً. وهو ما يعني فوز الملوحين بورقة تغيير النظام ونهاية الاتفاقية. والدرس المستفاد من الاتفاق مع إيران، خاصة لكوريا الشمالية هو أن اتفاقاً يوقعه رئيس يمكن لخلفه أن يمزقه. أما الدرس الذي ستتعلمه إيران من المفاوضات الأمريكية – الكورية فهو حصولها على القدرات النووية بشكل كامل بالإضافة للصواريخ الباليستية ذات المدى البعيد قبل أن توافق عـلى الحـديث مـع امريـكا.
«بلومبيرغ»: بعد سلسلة هزائم في واشنطن السعودية تعيد تشكيل حملة علاقاتها بوجوه جديدة
كشف موقع بلومبيرغ أن السعودية التي تكبدت عدة هزائم في مجال العلاقات العامة في واشنطن تعيد تشكيل سياستها عبر وجوه جديدة في العاصمة الأمريكية. وتحدث كاتبا التقرير فيفيان نيريم وبيل أليسون عن الأمير بندر بن سلطان الذي لم يعد يرى كثيراً بعد استقالته كسفير في واشنطن عام 2005 وكيف أنه كان ضيفاً غير متوقع في حفلة أقيمت بواشنطن على شرف ولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي الآن وهو الأمير محمد بن سلمان. وتم الاحتفاء ببندر في الحفلة وألقى كلمة أمام جمع ضم السناتور ليندزي غراهام ونائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني وتحدث بلغة فيها حنين لأيامه في العاصمة. ففي تلك الأيام كان بندر الذي تدرب كطيار حربي ثم أصبح سفيراً في واشنطن لأكثر من عقدين وعرف بقدرته على الإقناع وأقام علاقات صداقة مع آل بوش. وبعد عام 2005 تسلم بندر عددا من المناصب في الرياض قبل أن يختفي. وهو الآن في الستينيات من عمره ومن النادر أن يظهر في مناسبات. وتقول الشائعات التي انتشرت في الرياض أنه وغيره من ذوي النفوذ السابقين باتوا خارج «السعودية الجديدة» التي يشكلها الأمير محمد بن سلمان. وقال الأمير بندر ضاحكاً في تلك الحفلة «يجسد ولي العهد طاقة الشباب التي أفتقدها». ويتحدث التقرير عن الوجوه الجديدة في واشنطن والتي باتت مسؤولة عن تصحيح صورة المملكة في امريكا. والسفير السعودي الأمير خالد بن سلمان /30 عاماً/ وهو طيار حربي مثل بندر وهو واحد من الوجوه الشابة التي انتقلت إلى واشنطن لإصلاح سمعة السعودية وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. ومهمتهم أصعب من تلك التي واجهها بندر. ويقول هادي عمرو، الذي كان دبلوماسياً بارزاً في إدارة باراك أوباما: «كان من الممكن أن تتحدث مع القيادة السياسية السعودية ويقولون لك لقد تحدثنا مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي وسيعالجان الأمر»، كان هذا في الماضي حيث توترت العلاقات أولاً بسبب تحول مسار الرأي العام في أعقاب هجمات أيلول (سبتمبر) 2001 وثانياً بعد تخفيض الولايات المتحدة من دورها في المنطقة. وينقل التقرير عن علي الشهابي الذي أنشأ في عام 2017 «مؤسسة الجزيرة العربية» في واشنطن قوله «بعد 9/11 أصبح الرأي العام معادياً للسعودية». وبعد علاقة قوية ولكن معقدة مع إدارة جورج بوش شعر السعوديون بالتهميش بل والاستهداف من سياسات إدارة أوباما. وقاموا بالضغط ضد الإتفاقية النووية مع إيران وقانون أقره الكونغرس عام 2016 ويمنح عائلات ضحايا 9/11 الحق بتقديم الحكومة السعودية أو أي من أفرادها أمام المحاكم الأمريكية بتهمة التورط في دعم الإرهابيين. وظل وزيرالخارجية عادل الجبير لأسابيع في العاصمة الأمريكية وهو يحاول وقف القانون دون جدوى. وحسب الملفات التي قدمت لوزارة العدل بناء على قانون تسجيل الوكلاء الأجانب والذي ينظم عمل اللوبيات فقد أنفقت السعودية 7.5 مليون دولار على جماعات الضغط والعلاقات العامة في محاولة لوقف القانون المعروف باسم «جاستا» وأحضر السعوديون المحاربين القدماء إلى الكونغرس من أجل إخبار أعضائه بأن القانون سيعرض حياة الجنود الأمريكيين للخطر. وشملت النفقات فواتير بـ 270 ألف دولار أمريكي للنزلاء ومصاريفهم أثناء إقامتهم بفندق ترامب الدولي. ولم ينجح كل هذا في وقف القانون ولا الدعاوى القضائية التي أعقبت تمريره. وكانت صيحة تحذير للسعوديين كما يقول الشهابي:» صفعة في الوجه حيث لم ينفع كل اللوبي ولا العلاقات الشخصية». ولم يساعد السعودية في جهودهم لتغييرالسعودية، استبدالهم للسفراء ثلاث مرات بعد بندر. وانتهى السعوديون للاعتماد في معظم عملهم في واشنطن دي سي على سفير الإمارات العربية يوسف العتيبة ورئيسه ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد. ومع تعيين الأمير خالد بن سلمان سفيرًا عام 2017 بدأ السعوديون يهتمون بجهود اللوبي. وهو شقيق ولي العهد وأحد المقربين منه ويتحدث الإنكليزية بطلاقة. وقال مسؤول بارز في السفارة أن وظيفة الأمير خالد هي إنعاش العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة. وجاء في التقرير أن الإعلان عن سماح المرأة بقيادة السيارة تم في واشنطن وليس في الرياض حيث قال الأمير خالد «لا نميل للغرب ولا للشرق بل نقوم بالتحديث». وتزامنت الأنباء مع تعيين متحدثة رسمية باسم السفارة وهي فاطمة باعشن التي نشأت بولاية المسيسبي وحاصلة على ماجستير من جامعة شيكاغو وعملت في مؤسسة الجزيرة العربية حيث كتبت تقارير وأبحاثاً مؤيدة للسعودية. كما وجد السعوديون صديقاً في ترامب الذي اختار الرياض في أول زيارة خارجية له بعد تنصيبه. وأقام بن سلمان علاقة قوية مع جارد كوشنر، صهر الرئيس. وشعر السعوديون بالجرأة وقاموا بفرض حصار على دولة قطر بتهمة التعاطف مع إيران. وأدت الخطوة لصدع بين البيت الأبيض ووزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي أكد لقطر التزام الولايات المتحدة بدعمها المستمر لها. وغير ترامب موقفه الداعم للسعودية واستقبل أمير قطر في المكتب البيضاوي وأثنى على جهود قطر في مكافحة الإرهاب. وخلق صعود محمد بن سلمان «مشكلة صورة السعودية» خاصة انه مرتبط بالحرب في اليمن واعتقال الناقدين له وسجن المئات في حملة أطلق عليها «مكافحة الفساد». ومن أجل إدارة الصورة فلا يزال السعوديون يعتمدون في إدارة صورتهم على كتيبة من اللوبيات في واشنطن. ومنذ وصول بن سلمان للسلطة تم قطع العلاقة مع عدد منهم إلا ان اللوبيات والمستشارين الأمريكيين لا يزالون يقومون بدور مع التأكيد على جعل السعوديين الوجه الجديد في واشنطن. وعاد السعوديون إلى الأمير بندر بطريقة ما حيث برزت ابنته ريم كلاعب مهم في محاولة تغيير الصورة، ففي آذار (مارس) سافرت إلى الولايات المتحدة ، وشاركت في كانون الثاني (يناير) إلى دافوس في سويسرا حيث نشرت لقطة فيديو عنها وهي تقول: «هناك تصميم لمنعنا من خلق رواية جديدة» و «سؤالي لماذا؟».
المصدر: القدس العربي