صحيفة العرب _ فرانسيس غيلس
تقوم القوى الإقليمية والعالمية بإنشاء قواعد عسكرية في جيبوتي، أكثر من أي دولة أخرى. وتقدم المنافسة العسكرية بين الدول الكبرى في جيبوتي صورة مصغرة لصراع أكبر بكثير من أجل التأثير على منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، الذي يمتد عبر الشرق الأوسط إلى كردستان ومصر والجزائر.
وبرزت شركة “روزنفت” الروسية للنفط المملوكة للدولة كأكبر ممول في كردستان العراق. وتجاهلا لمخاوف الصراع مع الحكومة في بغداد وانتقاد القوى الغربية، اكتسب إيغور سيتشين، الرئيس التنفيذي لشركة روزنفت وأقرب المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، موطئ قدم رئيسي في أربيل.
ويبدو مشروع ضخ 10 آلاف برميل من النفط الخام يوميا بحلول نهاية العام، وهو ما يمثل فقط نسبة 0.2 بالمئة من الإنتاج اليومي للمشروع، إلى ميناء جيهان على ساحل البحر المتوسط التركي رمزياًّ، لكنه يقدم لروسيا قفزة هامة في العلاقات بين أربيل وبغداد.
ومنذ ربيع عام 2017، دفعت شركة “روزنفت” ما يقدر بنحو 3.5 مليار دولار إلى حكومة كردستان: 400 مليون دولار لتطوير خمس وحدات استكشافية، و1.8 مليار دولار للسيطرة على خط أنابيب التصدير في المنطقة، وقرض بقيمة 1.2 مليار دولار للدفع المسبق للنفط الذي تنتجه شركات أخرى غير “روزنفت”. هذا الشريان المالي أثار غضب بغداد، ورغم الاحتجاجات والاعتراضات من قبل الحكومة العراقية ردت عليها موسكو بجفاء تام.
وإذا مضت شركة “روزنفت” قدما في اتفاقية تعاون الغاز التي وقعها سيتشين مع حكومة إقليم كردستان في مايو الماضي، فإن ذلك سيوفر فرصا كبيرة لروسيا في المنطقة، مما يضعها في قلب المحادثات بين أربيل وبغداد.
وتعد استفادة روسيا من الطاقة كوسيلة تجارية لتحقيق أولوياتها الجيوسياسية بمثابة رد موسكو على نفوذ واشنطن المتضائل في المنطقة. وقد كانت كردستان حليفا وثيقا للولايات المتحدة، لكن من الجدير أن نتذكر أنه عندما حدث استفتاء استقلال كردستان في سبتمبر 2017، أرسلت بغداد قوات للتحكم في حقول النفط الكردية الكبرى، الأمر الذي أدى إلى تعطيل الإنتاج والصادرات النفطية في المنطقة.
وكنتيجة لذلك، انتقدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا الاستفتاء، في الوقت الذي تغافلت عنه روسيا. ولو حققت شركة “روزنفت” تقدما في إنشاء خط أنابيب يمكن أن يحمل المليارات من الأمتار المكعبة من الغاز إلى تركيا وأوروبا، فإن روسيا ستسيطر على صادرات الطاقة في المنطقة. ولأن “روزنفت” تملك حصة 30 بالمئة في حقل ظهر المصري الكبير للغاز، فإن ذلك سيسمح للشركة بالتنافس في السوق الأوروبية مع منافستها المحلية “غازبروم نيت”.
وبينما تفشل استراتيجيات كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تبني روسيا علاقات مع مجموعة واسعة من الدول في المنطقة. ورغم أن النفوذ المهم لإيطاليا في شرق ليبيا وصفقات الأسلحة الخاصة بها مع الجزائر يحولاها إلى شريك لا غنى عنه، لكن يبدو أن الغرب
فقد أي إحساس باللعبة الاستراتيجية التي لعبها بلا هوادة في المنطقة منذ قرنين.
وفي غضون ذلك، تعزز الصين بشكل مطرد من علاقاتها الاقتصادية مع مصر، حيث حققت الشركات الصينية استثمارات تراكمية في مصر بلغت 24.3 مليار دولار. هذا الرقم يتضمن استثمارا بقيمة 20 مليار دولار في العاصمة الإدارية المخططة في الصحراء شرق القاهرة.وستقوم الشركات الصينية ببناء خط سكة حديد إلى العاصمة وتوسع المنطقة الصناعية بالقرب من ميناء العين السخنة المطل على البحر الأحمر.
ومهما كانت الشكوك التي عبّر عنها المراقبون حول جدوى المشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة للغاية والزيادة الناتجة في الديون المستحقة لبكين من قبل الدول المتلقية، فإن الطموحات الصينية كبيرة.
ففي مصر، نستطيع رؤية هذه الطموحات من خلال عدد الزوار الصينيين للبلاد، والذي تضاعف إلى أكثر من 300 ألف زائر في العام الماضي. وبينما يستعيد السياح الغربيون شهيتهم لزيارة الأقصر وأسوان، فإن الزوار الصينيين مرحب بهم أكثر من أي وقت مضى. وتشهد الشركات الصينية نشاطا منذ فترة طويلة في الجزائر. وهناك اتجاه كبير لتوسيع الوجود الاقتصادي الصيني في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وبدأت جيبوتي في يوليو الماضي المرحلة الأولى من منطقة التجارة الحرة بقيمة 3.5 مليار دولار تمتلك فيها مجموعة شركات “تشاينا ميرشانتس غروب” الصينية وهيئة “داليان بورت أوثوريتي” حصة. وأيضا في القرن الأفريقي، تجدر الإشارة إلى أن قرار رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بتحويل بلاده رأسا على عقب، من خلال إطلاق سراح السجناء السياسيين، وخصخصة العديد من الشركات الحكومية، وإبرام السلام مع إريتريا من أجل إنهاء حرب استمرت 20 عاما، أعطى هذا الاقتصاد المزدهر إمكانية الوصول إلى الموانئ الإريترية.
وبينما قامت الصين العام الماضي ببناء خط سكة حديد بقيمة 4 مليارات دولار يربط أديس أبابا بميناء جيبوتي، ويعمل على إنجاز حوالي 90 بالمئة من تجارة إثيوبيا، فإن النفوذ الأميركي يتلاشى في هذه المنطقة مع ظهور جهات فاعلة جديدة، ليس أقلها روسيا، والأهم من ذلك، الصين.