يخطئون ….فنسامح نخطئ ….فيزعلون هم الصح دائماً ..هكذا عقليتهم.؟
تلك كلمات أبي محمود الرجل المسن الذي يمتلك خبرة الماضي وسعة صدر وحلم لا متناهيين عندما شاهد بستانه الذي أحرقه النظام جراء إسقاطه البراميل والصواريخ الفراغية على الأراضي الزراعية القريبة من قريتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام بهدف إبعاد الثوار عنهما وتأمين تغطية وحماية لهما، فقد اشتعلت النيران الملتهبة في تلك المزارع، ولم يسلم بستان ذلك العجوز فاحترقت أشجار الزيتون، والتين، ودوالي العنب.
هل تعلم ما أعذارهم؟ يقول أبو محمود ” الخطأ ما يدعون…و يا له من خطأ …ما أجملك أيها الصمت! فبك تبدأ فضفضة لا يستطيع حل مفرداتها إلا هدوئي.. وهز رأسه حسرةً” لم يخرج يوماً من مدينته إدلب منذ أن ولد فهو يقول دائماً “أنا لا أستطيع العيش دون رائحة الزيتون..” عمل بالزراعة منذ الصغر في أرضه التي ورثها عن أجداده ويأمل بالمحافظة عليها لتكون عونا وبابا للرزق لأولاده، كغيره من أغلبية سكان محافظة إدلب الذين يعملون بالزراعة والعناية بشجر الزيتون كما يخصصون قسما من مزارعهم لتربية الدواجن.
إدلب تمتاز بمناخ معتدل مائل للجفاف مشابه إذ تقل الأمطار المتساقطة فيها مقارنة بالأمطار التي تسقط في المناطق الساحلية، غير أن الأمطار التي تسقط تعد كافية لري أشجار الزيتون والفاكهة وكونها جزيرة ضمن 3 ملايين شجرة زيتون فهي تعتبر ملاذا للمرضى يقصدونها طلباً لهوائها العليل، درجة رطوبتها منخفضة، وتعد الأولى من حيث إنتاج محصول الزيتون المشهورة به حتى أطلق عليها بلد الزيتون، ودائماً أغصان أشجارها رمز السلام، لكن كشف لنا جار أبي محمود “عن حقد النظام الذي أحرق معالم السلام في بلاده وحارب الشجر والحجر والبشر…! لقد منع النظام أهالي مدينة إدلب من العناية بأشجار الزيتون أو حتى قطاف ثمرها أو الاقتراب من الأراضي القريبة من مناطق الاشتباكات وكل الأراضي القريبة من منطقة كفريا والفوعة الموالية، كنا نشاهد (الشبيحة) تنهب أرزاقنا ولا نستطيع الدفاع عنها .. فقط لنا النظر إليها”
أم محمود تدمدم بصوت حزين” أشد الأحزان هو أن تذكر أيام السرور والهناء …عندما تكون في أشد حالات التعاسة.. تربت على كتف زوجها “أتذكر يا زوجي قصة أشجار الزيتون حين كنت أضع مولوداً جديداً يسرع والدك” رحمه الله” لغرس شجرة جديدة تكبر مع الطفل رويداً.. رويدا.. وتسمى باسمه من باب الدعابة” .بصوت منخفض عميق عمق الألم لا تحزني يا أم محمود بسلامة الشباب يلي رح يزرعوا الأر ض من جديد ويكملوا المشوار”
قبل أن أنهي كأس الشاي أسرّ لي أم محمود كيف تمشّى العجوزان باتجاه البستان المحترق لتفقد ما تبقى من أشجاره التي لم تستطع أن تطالها نيران القصف، وكيف ارتسمت ضحكة على وجه أبي محمود وكأنها ولادة جديدة …وكيف خاطبها وملء قلبه الأمل” انظري إلى تلك الشجرة القريبة لقد أنبتت أغصاناً من جديد ..يا…الله ما أكرمك ..لقد كنت أعلم أن شجرة الزيتون مباركة وتعيش طويلاً من 300إلى600 سنة وحتى إن يبس الساق والأغصان، فإن الشجرة قادرة على أن تنبت وتعيد الحياة إلى الشجرة من جديد… أشجار الزيتون شامخة كأجدادي السوريين لا يعرفون اليأس وقلبهم مفعم بالحياة والعطاء.
بيان الأحمد ـ المركز الصحفي السوري