قلبت الانتفاضة الوطنية الجارية في إيران حسابات نظام ولاية الفقيه والنظام الدولي رأسًا على عقب ، ومن يدري فقد تُنهي بذلك حقبة هي جزء من مخططات دولية قديمة مضى عيها قرابة مئة سنة أو يزيد.
الأمر الذي دفع بالملالي إلى استحضار روح نادر شاه هي وبقاياها العاملة في أروقته لمشاورتهم والخروج بصيغة خلاص لن تكون سوى المزيد من القمع والدم والإعدامات للهروب من جحيم السقوط والعدالة والمساءلة التي ستعقب عملية سقوطهم وسحلهم ، وأما النظام العالمي فقد استدعى جميع أنواع ما يكيل به ، ففي العلن ندد بما حدث من انتهاكات ونصب العزاء على الشهيدة المغدورة جينا أميني (مهسا أميني) وكأنه هو صاحب العزاء وفي الوقت ذاته استنهض أولئك الماجنون الغارقون في حالهم من فلول الشاهنشاهية المخلوعة الذين لايزالون يصرون على ماضيهم الإجرامي ليكونوا سندًا للملالي في هذه المرحلة على الرغم من أنهم ونظامهم قد سلبوا مهسا أميني وأهلها وأقوامًا آخرين أسماءهم قبل أن يسلبوا أرواحهم وأتم الملالي مسيرتهم بإخلاص ، و لم يخفِ الغرب مخططاته أو فلت عيارها من يديه لكثرتها وهو الذي تظاهر بدعم الانتفاضة الوطنية الإيرانية وقد دعم بشكل علني ابن الشاه وفلول أبيه الذين لا رصيد لهم سوى في أوساط الذين أجرموا بحق الشعب الإيراني ، ويريد ابن أحد الخيارين إما يستعيد مُلكًا لم يكن لأبيه ولا لجده وإنما اغتصبوه واستمروا في حكم الشعب بالطغيان والحديد والنار وسياسة الإكراه نفسها التي يتبعها الملالي مع الفارق هذا يريد فرض الحجاب والفكر بالإكراه والسابق والأسبق أرادوا نزع الحجاب والوشاح بالإكراه تقمصًا لسلوكيات الغير وكأنما وُلِد بغير هوية ولا تراث.
تعاظم المخططات والمؤامرات
تعاظمت المخططات والمؤامرات هنا وهناك ضد المقاومة الإيرانية وضد منظمة مجاهدي خلق وأشرف3 وهي نفس المؤامرات الرامية إلى إبادة المنظمة منذ قيامها سواء على يد الشاه أو خلفائه الملالي وتعاظمت المؤامرات ضد أشرف في العراق مرارًا وتكرارًا وصولًا إلى حد الإبادة الجماعية العلنية التي تغاضت عنها المؤسسات الدولية الراعية للعملية السياسية بالعراق والصندوق الأسود لتلك الحقبة موجود لدى موظفي الأمم المتحدة وسلطات الاحتلال في العراق ، ولم تكن أشرف لقمة سائغة ليبلعها الملالي وحلفاؤهم في الغرب أو ليقضي عليها مرتزقة الملالي الصغار في العراق وبفضل استبسالهم وحكمة قيادتهم وبعد نظرها ورؤيتهم الثاقبة تخطوا الجحيم المرسوم لهم والذي تم البدء بتنفيذه بعد احتلال العراق سنة 2003 ، ولم يكن انتقال سكان أشرف في العراق من أشرف إلى ليبرتي في العراق أيضًا إلا بعد افتضاح ما يتعرض له مخيم أشرف في العراق من جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وحصار جائر وأصبح حاميهم قاتلهم في حين طالبت الكثير من المنظمات العالمية والإقليمية والقوى المدنية الفاعلة عالميًّا وإقليميًّا بأن تكون حماية أشرف من قبل طرف ثالث محايد لأن السلطات العراقية سليبة الإرادة ولا تمتلك زمام أمرها ومهما تعهدت أمام المجتمع الدولي والولايات المتحدة بحماية أشرف وفق القوانين الدولية لن يلتزموا بذلك لأن من سينفذ بالنهاية على الأرض هم عصابات حرس الملالي ومرتزقتهم في العراق..، تركت منظمة مجاهدي خلق مخيم أشرف الذي كان واحة خضراء وكيانًا مدنيًّا متحضرًا وسط صحراء محافظة ديالى بالعراق وانتقلت إلى معسكر ليبرتي الذي لم يكن سوى محجر ظالم تم حجزهم فيه لتتولاهم مدفعية المرتزقة بالقصف دون هوادة حتى خرجوا من العراق إلى ألبانيا بضمانات أممية وأمريكية وموافقة ألبانية والتزام صارم من قبل سكان أشرف بالقوانين والقيم والأعراف الدولية والمحلية في ألبانيا إلا أن ذلك كله تلاشى أمام مؤامرات الملالي وتواطؤ تيار المهادنة والاسترضاء معهم فقامت قوة أمنية ألبانية نوعية قوامها 1200 شخص باقتحام أشرف3 في ألبانيا وقتلت منهم واصابت وحطمت ممتلكاتهم وصادرت 213 جهاز كمبيوتر وأقراص صلبة بالغة الأهمية وذلك لأنها تحتوي على خصوصية منظمة سياسية معارضة لها أنصارها داخل وخارج إيران ، وقوة أمنية نوعية بهذا الحجم لا يمكنها تبرير اقتحامها وتصرفاتها التي فضحتها وسائل كما لا يمكن إخفاء ما يجري وكان من المفترض أن يستر نظام ولاية الفقيه ما بينه وبين من توافقوا معهم إلا أنهم لم يتأخروا طويلًا حتى صدحت حناجر المسؤولين في نظام الملالي متفاخرين بتوافقاتهم في فرنسا وألبانيا التي نجم عنها قرار فرنسي بعدم السماح بتظاهرة للمقاومة الإيرانية وعدم السماح باستئجار قاعة كبرى للمؤتمر.
التحدي
ما حدث في ألبانيا وباريس لم يكن بالأمر الهين أبدًا إذ حدث ما حدث علنا وبعد مكالمة طويلة بين رأسي الدولة في طهران وباريس وقد فضحه الملالي على الفور لتسجيل نصر سياسي وفرض سياسة الأمر الواقع على الجميع فماذا كان على منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية أن يفعلوا وهم في خضم أحداث ساخنة في إيران انتفاضة ملتهبة وشعب يقاسي الأمرين ولم يعد يؤمن ببقاء جلاديه ولو ليوم واحد ، و يقدم التضحيات الجسام و الشهداء شهيدًا تلو الآخر بما في ذلك أطفال ومراهقون وبات سقوط النظام وزواله على المحك…؟ لم يكن أمام المقاومة الإيرانية ومنظمتها المحورية مجاهدي خلق سوى تناسي الآلام والجراح وكسر طوق المؤامرات والمضي قدمًا فكسرت قرار السلطات الفرنسية بأمر قضائي وأقامت التظاهرة وأقامت المؤتمر تحديًّا وقد أفلحت وانتصرت ، وقد كان المؤتمر فريدًا مميزًا عما سبقه نظرًا للظروف السياسية المحيطة وكذلك محتوى المؤتمر وحجم المناصرين والمشاركين ونوعيتهم ومواقفهم المباشرة واستمر المؤتمر أربعة أيام يوم للندوات التمهيدية للمؤتمر ويوم الافتتاح واليوم العربي الإسلامي واليوم الحقوقي ؛ مؤتمر لم يشهده العالم المعاصر على الإطلاق مؤتمرٌ أثبتت المقاومة الإيرانية من خلاله أنه لا طوق يُفرض عليها فهي تمتلك زمام أمرها وما أهون التضحيات أمام الإرادة الوطنية والسياسية.
فعاليات المؤتمر تتواصل؛ وكلمة السيدة مريم رجوي في مؤسسة لويجي إيناودي البحثية في إيطاليا
تتواصل فعاليات المؤتمر من خلال أنشطة واسعة تقوم بها المقاومة هنا هناك ومن هذه الأنشطة تحركات السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة الإيرانية وزيارتها الأخيرة للجمهورية الإيطالية ولقاءاتها المتعددة في إيطاليا خاصة مع السلطات التشريعية وحضورها لجلسات هامة في البرلمان الإيطالي ، ولإيطاليا ميزة وطعم خاص في مواقفها النبيلة مع الشعب الإيراني ، وكان للسيدة رجوي كلمة هامة في مؤسسة لويجي إيناودي البحثية وهي صرح بحثي استراتيجي مرموق في إيطاليا وأوروبا ، وفي ختام كلمتها في هذه المؤسسة البحثية ذكرت الإيطاليين خاصة والأوروبيين عامة بتعهداتهم القانونية والأخلاقية وما يترتب على ذلك من تأثر سمعة أوروبا بالسلب والإيجاب منوهة إلى حجة وذريعة ومبرر الظروف السياسية والاقتصادية العالمية التي تلوّح بها أوروبا من حين إلى آخر.. وكأن هذه الظروف الحالية كانت قائمة منذ عقود أيضا؛ موضحة رؤيتها وواجبات أوروبا على النحو التالي المُقتبس من كلمتها:
السياسة الصحيحة فيما يتعلق بإيران
فيما يتعلق بإيران فإنني طرحت على اللجنة الخارجية للبرلمان الإيطالي أسس سياسة صحيحة في 6 مواد وأكررها هنا،
وقد تقولون إن اتباع هذه الأسس غير ممكن بسبب المعوقات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها الدول الغربية
لكن التهديدات الصارخة لهذا النظام تتطلب أن تتجه السياسات على الأقل في هذا الاتجاه.
لسوء الحظ تتحرك بعض الدول الأوروبية والغربية في الاتجاه المعاكس لهذا المسار وهم بذلك يغذون النظام في ممارسة الإرهاب وتأجیج الحروب وانعدام الأمن في المنطقة والعالم.
وتشتمل هذه الأسس على النقاط الآتية:
1- إدراج قوات الحرس في قوائم الإرهاب والتصدي بفاعلية لوجود الحرس خارج حدود إيران بما في ذلك سوريا والعراق ولبنان واليمن و …
2- الاعتراف بحق الشعب الإيراني في الدفاع عن نفسه في مواجهة قوات الحرس وإسقاط النظام وإقامة جمهورية ديمقراطية تقوم على فصل الدين عن الدولة.
3- استخدام آلية الزناد snapback 3- تفعيل قرارات مجلس الأمن الستة وتعطيل كافة البرامج النووية والبرامج الصاروخية المغايرة لقرارات الأمم المتحدة وإجراء عمليات التفتيش غير المشروطة على المنشآت النووية والصاروخية.
4- إحالة قضية الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتقديم قادة النظام الإيراني إلى العدالة لارتكابهم جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية على مدى 40 عامًا.
5- قطع العلاقات الاقتصادية وفرض عقوبات شاملة ولاسيما الحظر النفطي والمصرفي وقطع الشرايين المالية للنظام والتي تخدم القمع والمشروع النووي والإرهاب وتدخلاته في المنطقة.
6- تعریف هذا النظام بأنه تهديد للسلم والأمن العالميين ووضعه تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
إقليميًّا لاتزال دول وشعوب المنطقة تعاني بشدة من تدخلات نظام الملالي وحتى أقرب السلطات لنظام الملالي وهي السلطة العراقية تصرخ مخدرات الملالي وتقول إن المخدرات التي تغزونا قادمة من إيران وسوريا أي أن المصدر واحد.. أما داخليًّا في إيران فقد عادت آلة القمع والاضطهاد إلى الواجهة وعادت مواجهة الشعب مع ما تسمى بدوريات الإرشاد ، ويبدو أن للملالي لعبة ومخططات داخلية جديدة إذ بات الكثير منهم اليوم يتحدث كما لو أنه يقوم بعملية سرقة أدبية من خلال استخدام فكر ومنهاج منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المنضبط وفق قاعدة لا إكراه في الدين فهناك من يقول منهم كان رضا خان شريكهم الروحي الذي يستعدونه كلما اشتدت عليهم مواجهة الشعب لهم “كان رضا خان يريد نزع الحجاب والوشاح بالإكراه ونحن نريد الحجاب بالإكراه” يبدو كما لو أن الغرب يوجه الملالي نحو ما يجب أن يكون في هذه المرحلة.. بمعنى أن الملالي قد يبدلون جلودهم في أي لحظة للمناورة والتحايل على الشعب فلا تستغربوا أن رأيتم عمامة على بدلة وربطة عنق أنيقين من تصميم باريسي أو ترون عمامة على عباءة من الحرير الخالص طويلة أو تحت الركبة مع شعر رأس ولحية وحواجب منسقين على طراز الميم.. فالغاية تبرر الوسيلة.
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي