“الماء نعمة الحياة .. فحافظ عليها” كلمات لطالما شاهدتها ريمة ذات السبع سنوات على شاشة التلفاز، لتغرس في مخيلتها أفكاراً عن أن الماء لا ينقطع، لكن الحلم تبدد وأصبح كابوساً لا يمكن الهروب منه.
وبدأ الكابوس يصبح واقعاً شيئاً فشيئاً مع كل عام يمضي على الثورة، لتصبح المقارنة شاسعة بين أيام الرخاء وأيام الأزمات، فأمنيات المستقبل تحولت لأمل البقاء على قيد الحياة لحلم بفعل بندقية وبرميل طائرة متفجر، في النهاية لم يعد الماء مصدر الحياة، بل أصبح وسيلة لاستغلال المواطنين.
“استيقظي يا ريمة .. لقد تأخر الوقت” كلمات أسمعها في كل صباح، ولكن ليس للذهاب إلى المدرسة، بل ل”منهل الماء”، لم يهنأ سكان حي القابون الدمشقي وسط البلاد يوماً بمياه الشرب، فتحول الماء من نعمة إلى نقمة على السكان البالغ عددهم 89 ألف نسمة.
“تركت المدرسة لأقوم يومياً بنقل المياه من بئر مجاور للمنزل، لم أكن الوحيدة التي تقوم بذلك، بل طابور مؤلف من عشرات السكان، بعد ملء عبوة المياه الصغيرة أقوم بإفراغها في خزان المنزل، وأحياناً نشرب مياها ملوثة”.
“لم أعتقد يوماً أن أقوم بعملية تفتيت للحصى داخل كليتي اليمنى نتيجة شرب المياه الملوثة من الشبكة العامة للحي بعد جفاف الآبار الداخلية، لم يكن خيار شرب المياه الملوثة صائباً ولكنه يبقى أفضل من الموت عطشا”.
يذكر أن مركز “الرازي” الصحي سجل إصابة أكثر من65مدنياً بحالات تسمم خلال الأيام القليلة الماضية في حي القابون.
“في غرفة العمليات تخيلت الطبيب معلم المدرسة، لم يكن بكائي من الخوف، لكن ظروف الحياة حولت حياتنا إلى جحيم، وأحياءنا إلى ساحات حرب، وسكان المدينة إلى شهداء وجرحى”.
في 18 تموز/يوليو 2012 أدى القصف العنيف بالمروحيات والمدفعية على الحي واستهداف القناصة لأي حركة إلى مقتل 90 شخص فيما يعرف بمجزرة حي القابون التي كانت في ظل ما يسمى بـ”بركان دمشق وزلزال سوريا”.
طابور الانتظار يتطرق لمخيلة ريمة الكثير من اللحظات مع عائلتها، رفاق المدرسة، مزاح والدها، حنان أمها، في النهاية يأتي صوت الطائرة الحربية لتقصف المدينة، لتمزق آلاف الذكريات.
بالرغم من اليأس المحيط بسكان دمشق إلا أن الصمود والتضحية من صفات السوري، فبالرغم من أن القابون يشهد حصاراً خانقاً إلا أن محاولات عديدة يقوم بها السكان ليبرهنوا له أن الحصار لن يكسر إرادة الشعب.
حيث طلب مركز الرعاية الطبية في مركز “الرازي” من الأهالي تصفية المياه بقطعة من القماش أو القطن، ثم غلي المياه وتبريدها. كما أكد على ضرورة الإسراع بمراجعة أقرب مركز طبي في حال ظهرت بعض أعراض التسمم كالقياء والاسهالات الكثيرة وغيرها.
وتبقى الطفلة ريمة ترسم مستقبلأً مشرقاً وتحلم بالعودة للمدرسة رغم ظروف الحياة الصعبة، لتبرهن في كل يوم على مجازر بحق المدنيين والمدن، لتزداد كمية المياه التي تحملها مع كل يوم جديد تمر به.
المركز الصحفي السوري – سائر الإدلبي.