لعل التسمية تختلف بين ريف حماة الغربي والباغوز في دير الزور، ولعل المنطقتين بعيدتين عن بعضهما لكن روسيا والولايات المتحدة وحلفائهما، جعلا كلتا المنطقتين مقابر للأحياء ودمار كارثي عجزت الأقلام والمحللين عن كشف حجم الكارثة .
منذ ثلاثة أشهر؛ بدأت قوات النظام تقصف بالصواريخ والمدفعية الثقيلة المدنيين العزل في منطقتي سهل الغاب وجبل شحشبو بريف حماة الغربي، صبر المدنيون على ذلك القصف، رغم ارتقاء العشرات من المدنيين الذين كانوا لا يدرون أنها بداية لحملة روسية، بترخيص تركي وصمت عربي لكن الأمر المخيف بدأ منذ أسبوعين، عندما خرجت الطائرات الحربية والمروحية لتلقي براميل الموت و صواريخها الارتجاجية والفراغية، هي لم تستهدف أية مقرات تابعة للفصائل الثورية، بل كانت مركزة على منازل المدنيين الذين انطلت عليهم خدعة عظيمة؛ حسب قول الآلاف منهم .
عملت القوات الروسية وميليشيات النظام بداية الشهر الحالي على قصف القرى و المدن والبلدات في ريف حماة الغربي بكثافة عالية، ليبدأ الأهالي بالهجرة، فلا يوجد إدلب أخرى يهاجروا إليها هي واحدة وهي الأولى والأخيرة، فهاجرت الآلاف من العائلات، بحثا عن مأمن يقيهم من صواريخ روسية وغدرها، لتفرغ المنطقة التي تزيد مساحتها عن ألف كيلو متر مربع، بقراها ومدنها ولايبقى فيها سوى دوي القصف والانفجارات وتسمع زقزقة العصافير للحظات بين كل صاروخ وبرميل متفجر؛ هذا هو الحال غرب حماة .
مطلع أيار الحالي؛ بدأ النظام والروس والشبيحة بالزحف نحو قرية الجنابرة وتل عثمان، ليقاتل ثوار المنطقة من الفصائل المحلية أشرس معارك الثورة فيمكن لك الحكم بأن الآلاف من الصواريخ والبراميل تتساقط على قرية مساحتها أقل من كيلو متر مربع ويصمد ثوارها لساعات طويلة ويخضون معارك عز وكرامة، إلا أن الإمداد لم يصلهم من الشمال فأنت تموت وجرحك ينزف ولا مسعف ينقذك و أنت تقاتل ولا ذخيرة تقاوم بها إلا أنهم اصروا على الثبات ويقتلوا العشرات من الروس والنظام ومرتزقتهم ولم يصل المدد لينحاز الأبطال لخطوطهم الخلفية ويسيطر الروس على القرية، وتتابعت عملية القصف الممنهج آناء الليل و أطراف النهار وتتساقط القرى والمواقع واحدة تلو الأخرى، وكانت الصدمة عندما سقطت بلدة كفرنبودة بعد صمود اسطوري للثوار رغم إمكانيتهم المحدودة ورغم ذلك لم يصل المدد وسقطت مدينة قلعة المضيق كسقوط بغداد، وبدأت القرى والمناطق تتساقط وبدأ الأهالي يناشدون الشرفاء إن وجدوا بالفزعة لإنقاذ الأرض والعرض ولم يصل المدد وكأنك تنادي ميتا، ليختلط الحزن بالغضب ويبكي الحاج أرضه وبيته الذي دمر ويبكي الأطفال وطنهم ومنازلهم وارجوحتهم المعلقة في سقف منزلهم، ويبكي الرجال القهر بدل الدموع و ترى الفاجعة تلف خدودهم السمر والغضب يصب من طيات جباههم وعيونهم تشتعل نارا، ومع ذلك لم يأتي المدد…..لا….جاء المدد بعض العناصر من الشمال السوري من بعض الفصائل، تركوا مناطق تواجدهم واتجهوا نحو ريف حماة الغربي، ليلقنوا النظام واتباعه دروسا في حب الوطن ودروسا في عشق الكرامة ويقتلوا العشرات من اتباع النظام وعناصره في قرى الكركات والشيخ إدريس والمستريحة وباب الطاقة والحويز و لايزالون يقاتلون معهم إرادتهم الصلبة وحريتهم ومع روسيا النظام وعبوديته .
سياسيا…. لم يتحرك أحد حتى تركيا، التي طالما اقنعت الشعب السوري البسيط بأنها ضامنة مع الروس و أردوغان ورغم كثرة خطوطه الحمراء والخضراء والصفراء، لم ينجح بإقناع شريحة واسعة من الشعب السوري بموقفه الإيجابي من الثورة، بل ربما الجميع اقتنع بأن كيف لروسيا أن تتحرك وتقصف وتدمر وتقتل ضمن أراضي الثورة والأتراك يتفرجون لا بل جرحوا وقتلوا من ضربات النظام، فمنذ أيام قصفت قوات النظام في حاجز الكريم غرب حماة قلب نقطة المراقبة التركية لتأتي الطائرات المروحية من ولاية هاتاي جنوب تركيا وتنقل الجرحى والقتلى من هناك وتقف مروحيات النظام وقواته وتمتنع عن القصف ريثما يسعف الاتراك قتلاهم .. و تبدأ معاناة جديدة .
معاناة جديدة بدأت، وهي نزوح أكثر من ربع مليون مدني معظمهم من النساء والأطفال يركبون سياراتهم ودراجاتهم يلوحون لقراهم ومنازلهم ويلقون عليها النظرة الاخيرة نظرة الوداع، ويصيح الكثيرون سيأتي الثوار من الشمال ويحرروا لنا قرانا المغتصبة، وتقول أم ساهر سأعود إلى منزلي المدمر وابني لي خيمة أعرف انها مبنية في وطني وقريتي فصحيح أنني فارقت داري وفارقتني لكنني لا اطيق فراق الوطن .
ماذا عن المدد .. فهذا هو السؤال الذي يريد الآلاف من السوريين إجابة عنه، فواحد يسأل لماذا تقدم النظام فعند الثورة قوة عظيمة، ويصيح آخر لماذا تمكن النظام من السيطرة على بعض القرى بسهولة وأين الفصائل الكبرى .. قدم العديد من عناصر الفصائل واستشهدوا على جبهات ريف حماة الغربي ونكلوا بأعدائهم، لكن ليست هذه هي الثورة وليست هكذا الفزعة عندما تخسر المعارضة قرى وبلدات، فالسوريون تعودوا على التنكيل بالنظام المعتدي لكن هذه المرة كان هناك تقاعس من فصاح الشعب أين أنتم ..؟!.
ارجع بعض المحللين الوضع الحالي في ريف حماة الغربي إلى اتفاقات أستانا وسوتشي بين الأتراك والروس بحضور مندوبين عن الفصائل، وبعد الإعلان عن تلك الاتفاقات بدأت بعض الفصائل رفضها، فيما صمت الآخرون ونفذت كبرى الفصائل بعض بنود اتفاق سوتشي في أيلول الماضي وسحبت أسلحتها الثقيلة من المنطقة التي سميت بالمنزوعة السلاح، وترك الشعب يواجه النار والحديد ولم يصل المدد .
ولم يكشف النظام عن خطته ووجهته و ما هي المناطق التي يسعى للسيطرة عليه مع روسيا، فيما اكتفى المسؤولون الأتراك بالشجب والندب، واعتبروا أن من يقوم بالحرب ضد الشعب السوري غرب حماة هو النظام، متناسين دور الروس البارز في طائراتها وقواتها على الأرض فيما خرجت بعض كلمات الأوربيين والأمريكيين من حلوقهم والسنتهم عسرا، شجبوا وحذروا، أما العرب فلازالوا كما عهدتهم ينتظرون الروس والفرس يقررون مصير بلاد الامويين .
المركز الصحفي السوري _خاطر محمود