في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة جاهدة، شق طريقها داخل العالم العربي المنقسم والمتمزق وشبه المعطل، تمثل الدول غير العربية في الشرق الأوسط تحديا كبيرا أيضا، فتركيا وإيران وإسرائيل -التي ربما تكون الدول الثلاث الأكثر وظيفية في المنطقة- لديها الكثير من الأمور المشتركة، لكنها تبقى على خلاف حول قضايا أساسية.
وجميعها دول مستقرة نسبيا على الصعيد الداخلي، فالرئيس رجب طيب أردوغان يؤكد مرة أخرى سريعا على أن الأمور تحت سيطرته. جميع هذه الدول يقودها زعماء أقوياء، استطاعوا النجاة لفترات طويلة؛ ولديها إمكانيات اقتصادية هائلة؛ وجميعها على درجة عالية من الفنية لا تمتلكها الدول العربية؛ ولديها القدرة على استعراض قوتها في السر والعلن، بطرق يمكنها مساعدة أو إعاقة السياسات الأمريكية في المنطقة.
تركيا
حتى قبل المحاولة الانقلابية الفاشلة، كانت تركيا شريكا مهما للولايات المتحدة. فمنذ انتخابه لأول مرة كرئيس للوزراء عام 2003، أصبح أردوغان استبداديا بشكل متزايد وسعى لالتهام مزيد من السلطات. فاعتقل الصحفيين وعزل القضاة وحاول استغلال النظام لتعديل الدستور وزيادة صلاحياته كرئيس. وخارجيا، عملت جهود أردوغان على تعزيز وجوده في العالم العربي والإسلامي، من خلال دعم حماس وقطر والفلسطنيين على تهميش مصر والسعودية وإسرائيل. ورفضه لمراقبة الحدود مع سوريا بشكل يتسم بالكفاءة، ومعارضته لجهود الولايات المتحدة في دعم السوريين الأكراد ضد تنظيم الدولة، صنعت أيضا صورة لزعيم يركز على هزيمة الأكراد والحفاظ على مصداقيته كإسلامي، أكثر من تركيزه على هزيمة الجهاديين.
من الواضح أن المحاولة الانقلابية الفاشلة ستدعم فقط طموحات أردوغان السياسية بالداخل، وتزيد من سعيه لمزيد من السلطة. فقد أنتجت المحاولة الانقلابية بالفعل إشارات مثيرة للقلق على توترات مع الولايات المتحدة. وقد ازداد الخطاب المعادي لأمريكا في تركيا، فقد اتهم عدد من وزراء الحكومة التركية واشنطن بإثارة الانقلاب وإيواء أحد أكبر أعداء أردوغان، فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا، والذي يريد أردوغان ترحيله إلى تركيا.
في نهاية الأسبوع التالي للانقلاب، قطعت تركيا التيار الكهربائي عن القاعدة الجوية الأمريكية في إنجرليك، وإيقاف رحلات الطيران الأمريكية، التي استأنفت فيما بعد. لكن من الواضح أن أردوغان ربما يستخدم دوره في دعم الجهود الأمريكية ضد تنظيم الدولة، كوسيلة للضغط على واشنطن بترحيل غولن. ومن ثم فإن معارضة أردوغان للولايات المتحدة وحملته القمعية في الداخل، تؤكدان على أن تركيا ستظل شريكا صعبا ومثيرا للمشاكل بالنسبة للولايات المتحدة.
إيران
وإذا كانت تركيا مثيرة للمشاكل، فإن إيران قد بدأت جهودا حاسمة لمعارضة سياسات الولايات المتحدة في المنطقة. ولا تزال إيران متمسكة بالتزاماتها، التي يحددها الاتفاق النووي، الذي تم التوصل إليه مع القوى العالمية في عام 2015، وتتفق المصالح الأمريكية مع الإيرانية في ضرورة القضاء على تنظيم الدولة بعدة طرق. لكن بطرق أخرى، من بينها السياسات القمعية الإيرانية المتعلقة بحقوق الإنسان، ودعمها للمتمردين في اليمن والبحرين، ودعمها للسياسات الدموية لنظام الأسد في سوريا ودعمها للجماعات الشيعية المسلحة في العراق، تظهر طهران إصرارها على ضمان تعزيز نفوذها وإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة. والحقيقة هي أن إيران لا تزال على الأرجح خصما عنيدا لأمريكا في المنطقة، وتبدي استعدادا ضئيلا للتعاون، ناهيك عن التقارب خارج حدود الاتفاق النووي.
إسرائيل
كحليف مقرب من الولايات المتحدة، تنتمي إسرائيل إلى فئة مختلفة، فهي الدولة الوحيدة من بين الدول الثلاث غير العربية، التي تتشارك معها الولايات المتحدة قيما ومصالح، وهي الوحيدة التي تحظى بدعم شعبي واسع لعلاقاتها مع الولايات المتحدة. لكن هناك انقسامات متزايدة حول بعض القضايا الأساسية، خصوصا حول كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، ونفوذ إيران المتنامي في المنطقة؛ وحول القضية الفلسطينية. ومن المستبعد أن يتم ملأ هذه الفجوات في ظل الإدارة الحالية، وربما في ظل الإدارة التالية. لكن نظرا للطبيعة الخاصة للعلاقة الإسرائيلية الأمريكية، فمن الواضح أن هناك فرصة أفضل لتخطي هذه الخلافات وعلاجها، بطريقة تفصل العلاقة الأمريكية الإسرائيلية عن علاقات واشنطن بتركيا وطهران، اللتان لا تتمتعان بوجود قيم ومصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، إضافة إلى ضعف الدعم الشعبي.
بالنسبة لأمريكا، يصبح الشرق الأوسط مكانا تشعر فيه بالوحدة. فليست الولايات المتحدة فقط عالقة في منطقة لا يمكنها تغييرها أو مغادرتها. لكنها أيضا تتعامل مع شركاء غير مثاليين، لا تتفق مصالحهم مع مصالحها الخاصة. كما أن هذا التحدي لا يبدو أنه سينحسر في وقت قريب. بالطبع، في المستقبل القريب، ستواجه واشنطن على الأرجح شركاء عرب وغير عرب يسعون بشكل متزايد إلى تحقيق مصالحهم بالداخل والخارج في منطقة مضطربة، دون أن يأبهوا كثيرا للمصالح الأمريكية. والواقع السياسي غير المريح هو أن واشنطن لن تملك الكثير لتفعله حيال هذا الأمر.
ريال كلير وورلد – التقرير