الجزيرة – علي أبو مريحيل
أثار تفشي فيروس كورونا المستجد موجة عنصرية في معظم من دول العالم تجاه الآسيويين عموماً والصينيين على وجه الخصوص. وتم رصد عدد كبير من حالات تنمّر استهدفت آسيويين مغتربين في الخارج، وكانت الواقعة الأشهر في فبراير الماضي حين قام مجموعة من الطلاب في مدرسة ثانوية بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية، بالاعتداء الجسدي على طالب أمريكي من أصول آسيوية ما أسفر عن إصابته بكدمات شديدة نقل على إثرها إلى المستشفى.
أيضاً تعرض مواطنون صينيون يقيمون في مدينة فرانكفورت الألمانية، للتنمر والاعتداء اللفظي، حيث وجه لهم شبان ألمان عبارات مسيئة، وطالبوهم بالعودة إلى ديارهم بعد وصمهم بآكلي لحوم القطط والكلاب والحيوانات الغريبة. لاقت هذه المظاهر استنكاراً واسعا، خصوصاً بعد دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جوقة التنمر واصفاً كورونا بالفيروس الصيني، الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية إلى التأكيد على أن الفيروس لا جنسية له، وأن ظهوره في الصين لا يعني أنها المسؤولة عن تفشي الوباء في العالم.
ما يبرر تدفق الإصابات المستوردة إلى البلاد، هو رغبة المغتربين الصينيين المصابين بفيروس كورونا في العودة إلى بلادهم لتلقي العلاج، وذلك لسببين أساسيين: أولاً، مجانية العلاج في الصين. ثانياً، الأنظمة الصحية الصينية المتقدمة |
على مدار الأشهر الماضية، كان الأجانب المقيمون في الصين والذين عايشوا أزمة كورونا منذ بدايتها، أكثر الناس تعاطفاً مع الصينيين في محنتهم، وقد عبروا عن رفضهم للعنصرية والتمييز ضد الآسيويين في الخارج. بل أكثر من ذلك شارك بعض الطلاب في حملات إلكترونية لتوعية الرأي العام في بلادهم، وتصحيح الصورة المغلوطة عن الصينيين في الخارج. ولكن ما لم يكن متوقعاً، أن ترتد موجة العنصرية بصورة عسكية، لتطال كل ما هو أجنبي في الصين، بمن فيهم أولئك الذي عبروا عن تضامنهم ووقوفهم إلى جانب الشعب الصيني.
فقد شهدت الأيام الماضية مواقف متعددة تؤكد تنامي موجة العنصرية في البلاد. ففي أعقاب قرار السلطات الصينية أواخر مارس الماضي، تعليق دخول الأجانب مؤقتاً إلى البلاد بسبب تفشي الوباء في الخارج، برزت سلوكيات عنصرية يبدو أنها متأثرة بالقرار سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد. أحد هذه المواقف، رفض العديد من المطاعم وصالونات الحلاقة استقبال الأجانب خصوصاً في العاصمة بكين، كما علقت بعض مراكز التسوق لافتات تمنع دخول الأجانب. وفي مقاطعة شاندونغ شرقي الصين، رفض مركز صحي منح الأجانب المقيمين في المنطقة حصتهم من الكمامات الطبية، وحين استفسر شبان عن السبب، قيل لهم: إنها تعليمات يجب اتباعها.
أيضاَ من صور العنصرية التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو من مدينة كوانجو جنوبي الصين لرجل أجنبي في مترو الأنفاق يجلس وحيداً على مقعد يتسع لعشرة ركاب، فيما تكدس الصينيون على مسافة بعيده عنه لاعتقادهم بأنه حامل للمرض. أما كاتب هذا المقال، فقد واجه تجربة شخصية في المجمع السكني الذي يقيم فيه بأحد أحياء العاصمة بكين، حيث تكرر مشهد عزوف مواطنين صينيين عن استخدام نفس المصعد معه، وفضلوا استقلال آخر رغم ازدحامه، للسبب نفسه.
مع تزايد أعداد الإصابات المستوردة خلال الأسابيع الماضية، ظن العديد من الصينيين أن الحالات الجديدة، لأجانب قادمين من الخارج، ولكن الحقيقة عكس ذلك، فحسب الأرقام الصادرة عن اللجنة الصحية الوطنية، فإن جميع هذه الإصابات التي تجاوز عددها تسعمئة، لمواطنين صينيين يحملون جوازات سفر أجنبية. وقد عزز هذا الاعتقاد، الاكتفاء بالإعلان عن رصد حالات جديدة دون إظهار جنسياتهم، وفي المرات القليلة التي يعلن فيها عن جنسية المصاب لا تتم الإشارة إلى هويته الصينية، فضلاً عن ارتفاع أعداد الإصابات بنسب كبير خارج الصين، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة.
وما يبرر تدفق الإصابات المستوردة إلى البلاد، هو رغبة المغتربين الصينيين المصابين بفيروس كورونا في العودة إلى بلادهم لتلقي العلاج، وذلك لسببين أساسيين: أولاً، مجانية العلاج في الصين. ثانياً، الأنظمة الصحية الصينية المتقدمة والتي أثبتت جدارتها في التصدي للوباء، وهو ما تفتقر له دول أخرى تعاني نفس الأزمة. أخيراً، أياً كانت هوية المصاب وجنسيته، ما يتوجب فعله في زمن تفشي الأوبئة هو تعزيز التضامن والتآلف والتعاطف، لأن الوباء لا يميز بين أبيض وأصفر وأسود، ومادام يهدد حياة إنسان فذلك يعني أنه عدو للبشرية، ولمواجهة هذا العدو تبرز الحاجة إلى مجتمع إنساني متماسك تنصهر فيه الأعراق والأديان والألوان، أما العنصرية فهي جهل، تماما كالعمالة في زمن الحرب.