توحي العديد من المؤشرات أن روسيا مترددة حيال شن عملية عسكرية كبرى في مدينة حلب السورية، خاصة بعد الفوز المفاجئ للجمهوري دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
ومن المؤشرات البارزة التي تعكس هذا التردد تضارب المواقف بين المؤسستين العسكرية والسياسية في روسيا في اليومين الأخيرين. فقد أعلن اللواء إيغور كوناشينكوف، الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية في بيان، أن وزارته ترى أن تمديد فترات التهدئة الإنسانية بلا مسوغ سيأتي بنتائج عكسية.
وأوضح كوناشينكوف “بلا شك، فترات التهدئة ضرورية، لكننا نعتبر أن تمديدها بلا مسوغ، ليس من أجل تقديم مساعدة فعلية للسكان المسالمين، بل من أجل تمكين الإرهابيين من استعادة قدراتهم القتالية، وهو أمر ضار ومتعارض مع العقل السليم”.
في المقابل أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، أن بلاده ستستأنف التهدئة الإنسانية في حلب.
وأعرب المسؤول الروسي عن رفضه لانتقادات نظرائه الأميركيين لعمليات التهدئة التي تقوم بها بلاده في سوريا، متسائلا “ما الذي تريده الولايات المتحدة الأميركية ؟!، هل تريد استمرار روسيا في هجماتها الجوية؟”.
وشدد الكرملين في وقت سابق على أن الطائرات الروسية لم تقصف أي هدف في حلب، منذ 18 أكتوبر.
وأعلنت روسيا، الجمعة الماضي، هدنة إنسانية جديدة أحادية الجانب لمدة 10 ساعات، في مدينة حلب، دعا فيها الرئيس فلاديمير بوتين فصائل المعارضة إلى استغلالها والخروج من مناطق حلب الشرقية المحاصرة وهو ما رفضته الأخيرة.
واعتبر متابعون أنذاك أن تلك الهدنة جاءت بغرض نزع الغطاء عن المعارضة والتمهيد لشن عملية موسعة في مدينة حلب، خاصة وأن روسيا أرسلت أبرز قطعها البحرية إلى السواحل السورية ما عزز من احتمال الهجوم.
ولكن فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة وفق رأي البعض، أعاد خلط الأوراق مجددا في أروقة الكرملين، تجاه شن ضربة في المدينة الواقعة شمالي سوريا.
ويرى مراقبون أن هناك توجهين مختلفين في روسيا الآن حول شن عملية عسكرية في حلب: فهناك توجه يدعمه الفريق العسكري الذي يقول إن الأمر بات مفروضا خاصة وأن إضاعة المزيد من الوقت سيعني بالضرورة إعادة الفصائل المعارضة تجميع شتاتها وتمكينها من فرص أكبر للحصول على الدعم المادي واللوجستي، من القوى الإقليمية.
وهناك الفريق السياسي الذي بات موقفه أكثر قوة بعد فوز ترامب ويرى أن الإقدام على هجوم شامل على حلب ليس مناسبا حاليا.
يذكر أن الاختلاف في المواقف بين المسؤولين العسكريين والسياسيين في روسيا ليس مستجدا فسبق وأن أعلن الرئيس فلاديمير بوتين رفضه للتدخل الجوي، بعد مطالبة وزارة الدفاع الروسية بذلك، على إثر إطلاق المعارضة لمعركة “ملحمة حلب الكبرى” منذ أسابيع والتي نجحت عبرها في تحقيق اختراق ترجم في سيطرتها على ضاحية الأسد الاستراتيجية وذلك قبل انكفائها.
وتعتبر الدوائر السياسية في موسكو أن ترامب، على خلاف المرشحة الديمقراطية هيلاري كيلنتون، قريب كثيرا في مواقفه من الكرملين حيال قضايا الشرق الأوسط وعلى الأخص في الملف السوري. وبالتالي ضرورة تأجيل أي اندفاعة عسكرية في سوريا إلى حين المزيد من اتضاح الرؤية بشأن السياسة الخارجية التي سيسلكها الرئيس الأميركي الجديد.
وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، الجمعة، إن هناك تقاربا في الرؤى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي المنتخب دونالد ترامب في السياسة الخارجية، ويكاد يصل هذا التقارب إلى حد التطابق.
هذا الاعتقاد شبه الجازم بوجود قدر كبير من النقاط المشتركة بين الرئيس الأميركي الجديد وروسيا سيساهم بشكل كبير في ترجيح كفة المسؤولين السياسيين الروس وإبعاد شبح معركة ضروس قريبة في حلب.
ومعلوم أن بوتين ورغم تبنيه للخيار العسكري لحسم الملف السوري إلا أنه يميل أكثر إلى التسوية السياسية، لتجنب المزيد من الخسائر، ولعل معركة الموصل التي بدأت تتحول إلى مستنقع بالنسبة للقوات العراقية ستعزز هذا الميل.
وعملت روسيا على مدار الأسابيع الماضية على وضع خطط عسكرية وإرسال أبرز قطعها البحرية وعلى رأسها حاملة الطائرات “الأميرال كوزنيتسوف”، والطراد الذري الثقيل “بطرس الأكبر”، وفرقاطة “الأميرال جريجوروفيتش”، إلى السواحل السورية، استعدادا لشن العملية (التي يبدو أنها باتت مؤجلة) في حلب ، خاصة وأن جميع المؤشرات كانت تقول بأن هيلاري كلينتون ستكون سيدة البيت الأبيض.
ومعلوم أن هيلاري كلينتون من أشد المعارضين للمسلك الروسي في سوريا، وقد أكدت في أكثر من مرة على ضرورة تعزيز قدرة المعارضة السورية وإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا.
ووصول كلينتون إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة كان سيعقد خطط القيادة الروسية، ومن هنا جاءت رغبة الأخيرة في شن عملية في حلب والتي يصفها الكثيرون بـ”منطقة شد الأعصاب” في الشرق الأوسط.
ولكن اليوم ستجد القيادة الروسية نفسها مضطرة إلى الانتظار قبل اتخاذ أي خطوة كبيرة في سوريا، وتعلق قيادتها آمالا كبيرة على ترامب الذي أعلن في حملته الانتخابية أن مشكلته الرئيسية في سوريا هو تنظيم الدولة الإسلامية، وليس الرئيس بشار الأسد.
وأكد بوريس دولغوف عضو معهد الاستشراق والباحث في مركز الدراسات العربية لـ“العرب” “أن روسيا قرأت كلام ترامب الانتخابي بشكل إيجابي وتعتقد إن هو طبق أقاويله فستكون العلاقة ممتازة بين البلدين”. وأضاف دولغوف “أن روسيا أكدت أكثر من مرة أن هدفها ليس الحل العسكري بل إيجاد حل سياسي ولكن إدارة باراك أوباما لم تكن جادة، فاضطرت إلى التصعيد العسكري”.
واستبعد الباحث في مركز الدراسات العربية أن “يكون هناك تصعيد عسكري في حلب، في حال توافق الروس مع ترامب، بل سيكون التركيز على إيجاد حل سياسي”، مضيفا “وإذا لم تجد موسكو تعاونا أميركيا فإنها ستكون عندها مضطرة للاستمرار بفرض الأمور عسكريا في سوريا”.
ويتفق مارتن شولوف في مقال له في صحيفة الغارديان البريطانية، مع دولغوف، حيث أكد أن المعارضة السورية سيكون وضعها سيئا بوجود ترامب. ويرى شولوف أن ترامب لن يدعم المعارضة بل سيركز على ضرب داعش والضغط لإيجاد حل سياسي.
العرب