عادت روسيا، ومن خلال لقاء نائب وزير خارجتها بوغدانوف، خلال جولته الأخيرة في المنطقة، لتحريك ملف التسوية السياسية في سوريا، على ضوء التقارب الأخير بينها وبين القيادة التركية في ختام القمة التي عقدها بوتين مع أردوغان في سان بطرسبورغ. وشدّدت أطراف المعارضة السورية، خلال اللقاء الذي جمعها في الدوحة مع نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف ومرافقيه، على ضرورة التهدئة في حلب وإدلب، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وإدخال المساعدات.
وأعلن المشاركون في اللقاء، في بيان تلقّت “القدس العربي” نسخة منه، أنه تم تقييم الوضع في سوريا والمنطقة، وخصوصاً بعد الاتصالات الإقليمية والدولية الأخيرة”.
وكشفت “حركة سوريا الأم”، التي يترأسها معاذ الخطيب، أن الجانب الروسي أكد على التزامه بوحدة الأراضي السورية، وبحلّ سياسي بين السوريين، وضرورة استئناف المفاوضات وفقاً لقوانين الشرعية الدولية.
وطرح الطرف السوري في اللقاء، الذي عقد بعيداً عن الإعلام، وبتكتّم شديد، بعض الرؤى، ومنها وجوب التهدئة لكافة العمليات العسكرية، والقصف الجوي في كل سوريا، وخصوصاً في حلب وإدلب، ومناطق ريف دمشق، ومنها داريا، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وإدخال المساعدات الإنسانية وفق قرار مجلس الأمن 2254، وبموجبات القانون الدولي الإنساني.
وشددت الحركة في بيانها على معارضتها إبرام أي اتفاقيات أو تفاهمات بين الدول الإقليمية أو الدولية بما يتعلّق بسوريا ما لم تكن قوى الشعب السوري وثورته مشاركة فيها، وبما يحقّق تطبيق قرارات الشرعية الدولية في الانتقال السياسي، وبما يحافظ على وحدة الشعب والأرض.
كما أكدت على الدعوة إلى تنفيذ القرار 2118 والقرار 2254 لجهة الحل السياسي بأسرع وقت للوصول إلى انتقال سياسي، وضرورة دعم عملية تفاوضية سياسية حقيقية من قبل الجانب الروسي، بما يؤدي إلى رفع المعاناة عن الشعب السوري وإنهاء حالة الاستبداد ورحيل رموزها.
ونأت الحركة بنفسها عن التطرّف والإرهاب، و”رفضت الجماعات التكفيرية وجود أي قوى عسكرية أجنبية في سوريا، وعلى رأسها القوى المرتبطة بإيران وميليشيات حزب الله”. وأعلنت الحركة أن “أية مصالح روسية في سوريا ترتبط بمصالح الشعب السوري بعيداً عن النظام الاستبدادي الذي أوصل البلاد إلى ماهي عليه الآن”. وأعلنت “حركة سورية الأم” أنها “تسعى للاستفادة من كل ظرف ولقاء لصالح شعبنا وتخفيف معاناته، توصلاً إلى بلد يحكمه العدل والمواطنة المتساوية والحرية.”
وحاولت “القدس العربي” التواصل مع أطراف في المعارضة السورية لأخذ رأيها في اللقاء ونظرتها له، إلا أنها تكتّمت عن الخوض في الموضوع.
وكشف معاذ الخطيب، الرئيس الأسبق لـ “الائتلاف السوري” المعارض، في تصريح خاص لـ”القدس العربي”، أن أطراف المعارضة السورية طرحت على نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، رؤية شاملة لحل سياسي للأزمة السورية يساهم في إيجاد حل عادل لقضية شعبها. وأضاف الخطيب أن المعارضة السورية التي التقت ممثل الإدارة الروسية أكدت على ضرورة الالتزام بنقطة محورية وأساسية، وهي وجوب إيقاف قصف المدنيين في حلب وباقي المدن السورية.
ويعدّ الخطيب من أبرز السياسيين السوريين الذين يملكون نظرة عميقة للأزمة التي تشهدها بلاده، وعُرف بأفكاره التي يعتبر فيها أنه من الضروري التوجه مباشرة إلى الطرف الذي لديه مفاتيح أية تسوية مستقبلية.
وانتخب الخطيب، وهو من مواليد دمشق، رئيساً لـ “الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة” بالتزكية في 2012، قبل أن يعلن استقالته 24 آذار 2013 نتيجة وصول الأمور إلى “الخطوط الحمراء”، بحسب توصيفه.
ويأتي هذا الحراك الذي تشهده العاصمة القطرية الدوحة حول الأزمة السورية بعد تصريحات أعلنها نائب وزير الخارجية الروسي لوسائل إعلام بلاده، مؤكداً أنه “سيجتمع مع ممثلين عن المعارضة السورية في العاصمة القطرية الدوحة”. وتزامن هذا الإعلان مع تصريح لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أكد فيه أن بلاده والولايات المتحدة باتتا قريبتين من بدء العمل المشترك في سوريا، وأن التعاون بينهما “محدد ومنظم جداً”.
وقال شويغو، في مقابلة مع قناة “روسيا24″: “إننا دخلنا مرحلة نشطة من المفاوضات مع الشركاء الأميركيين في جنيف وعمان، كما أننا على اتصال دائم مع واشنطن.”
وأضاف “نحن نقترب خطوة بعد أخرى من صيغة، وأنا أتحدث هنا فقط عن حلب، ستسمح لنا بأن نبدأ النضال سوياً من أجل استعادة السلام على هذه الأرض، لكي يتمكن الناس من العودة إلى بيوتهم”
ويعدّ هذا اللقاء الثاني لمسؤولين روس مع أقطاب المعارضة السورية، حيث سبق وأن كشفت وزارة الخارجية الروسية في أبريل/نيسان، تعليقاً على لقاء بين بوغدانوف وأحمد معاذ الخطيب، أنه تم فيه التشديد على عدم وجود أي بديل للتسوية السياسية للأزمة المطوّلة في سوريا عن طريق عملية تفاوضية سورية-سورية، تجري على أساس أحكام القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.
وبحسب التصريحات السابقة فإن الطرفين أكدا على أن قرار القيادة الروسية سحب الجزء الأساسي من القوة التابعة للقوات الجوية والفضائية الروسية من سوريا، وفّر مقدمات ملائمة لمثل هذا العمل السياسي والدبلوماسي.
وتأتي هذه التحركات في سياق التقارب الروسي التركي تتويجاً لزيارة الرئيس رجب طيب أردوغان لنظيره فلادمير بوتين، وحديث عن وجود تفاهمات، وما يشبه صفقة بين الطرفين تشمل عدداً من القضايا التي تدور حولها الخلافات السابقة بينهما وخاصة في سوريا وملف الأكراد الذي يؤرق ساسة تركيا ويسعون جاهدين للحصول على أي دعم لتطويق الملف.
ولم تتحدد حتى الآن ملامح الصفقة الروسية التركية وتداعياتها على الملف السوري، وإن كانت الملابسات تظهر تدريجياً من خلال معالجة تفاصيل عدة.
ونقلت وسائل إعلام عدة أن “الهيئة العليا للمفاوضات” السورية نفت علمها بهذا اللقاء، وقال الناطق الرسمي باسم “الهيئة العليا” رياض نعسان آغا إن الهيئة لا علم لها بما أعلن عنه بوغدانوف، وأضاف أنها غير معنية بهذا الاجتماع، ولا تعرف بالضبط من هي المعارضة التي سيلتقيها بوغدانوف في الدوحة، حسب قوله.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن الوزير سيرجي لافروف بحث مع نظيره الأمريكي جون كيري هاتفياً كيفية تنفيذ اتفاق روسي أمريكي بشأن تنسيق العمل في سوريا والتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وأضافت أن الاتصال الهاتفي جاء بمبادرة من واشنطن وركز على الوضع في حلب، ومناقشة أفضل السبل لتنفيذ الاتفاق، الذي قالت موسكو إنه جرى التوصل إليه خلال زيارة كيري لموسكو في يوليو تموز.
وقال كيري، بعد تلك المحادثات الطويلة الشهر الماضي، إن واشنطن وموسكو توصّلتا إلى تفاهم مشترك بشأن الخطوات المطلوبة حالياً لإعادة عملية السلام السورية المتعثرة إلى مسارها. هذه التطورات تأتي على ضوء إعلان وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو إن بلاده والولايات المتحدة تقتربان من بدء عمل عسكري مشترك ضد المتشددين في حلب.
وبعد خمس سنوات من اندلاع الحرب السورية التي راح ضحيتها الآلاف وأجبرت الملايين على الفرار من منازلهم أصبحت روسيا والولايات المتحدة أكبر الأطراف الخارجية نفوذاً في الصراع، لكن أهدافهما متباينة.
القدس العربي