تعتبر منطقة البحر الأسود منطقة غنية بالثروات الطبيعية وتتحكم في طرق المواصلات وكانت عبر التاريخ محور صراع طرفاه الخلافة العثمانية والإمبراطورية الروسية وسبباً في نشوب الكثير من الحروب .
من أكثر القصص المأسوية للشعوب خلال صراعات البحر الأسود ما تعرض له شعب تتار جزيرة القرم المسلم من الاضطهاد والتهجير وتدمير دولته ومحاولة إلحاقه بروسيا حيناً أو بأوكرانيا حيناً آخر.
تتار القرم هم السكان الأصليون لشبه جزيرة القرم يتكلمون لغة تتارية ويدينون بالإسلام ويعود تاريخ التتار المسلمين في الجزيرة إلى العصر العباسي حيث استقرت فيها قبائل من أصول تركية وينحدر منها العديد من المماليك كالظاهر بيبرس.
ومنذ القرن الثامن الهجري ظهرت دولة تتار القرم ومدّت نفوذها إلى المناطق المجاورة لها وفرضت الجزية على موسكو لكن حين قويت شوكة الروس بدؤواا بمهاجمة أطراف دولة التتار ثم جرت حرب القرم بين الروس والعثمانيين تمكّن الروس في نهايتها من غزو شبه الجزيرة وضمها سنة 1783.
بقيت الجزيرة ذاتية الحكم في عهد الاتحاد السوفيتي حتى ألغيت هذه الجمهورية الإسلامية التترية بقرار من مجلس السوفيت في عام 1943 بحجة التعاون مع هتلر وبقرار من ستالين، تعرّض جميع سكان جمهورية تتار القرم للتهجير الجبري إلى سيبيريا أكبر صحراء جليدية في العالم وانتزعت منهم أملاكهم لتوزع على العمال الروس الذين استوطنوا شبه الجزيرة وقد بلغ عدد المساجد التي هدمها الروس في القرم ألفاً وخمسمائة مسجد، كما مات الآلاف من شدّة تكدس العربات التي ظلت تسير ليلاً ونهاراً مدّة شهر كامل تنقل شعب القرم إلى سيبيريا ويقدر أن 45 ٪ من مجموع السكان مات خلال الترحيل، وفي الخمسينيات قام زعيم الاتحاد السوفيتي خروتشوف بضم القرم لمسقط رأسه أوكرانيا التي كانت جزءاً من الاتحاد.
يدعوا نشطاء تتار القرم إلى الاعتراف بالترحيل على أنه إبادة جماعية ويرفضون إجراءات روسيا بضم شبه الجزيرة إليها وتناصر أوكرانيا اليوم هذه الدعوة إذ يصنف المجلس الأعلى لأوكرانيا عمليات الترحيل أنها جرائم عرقية.
ووفق إحصاء 2001 يمثل تتار القرم المسلمون نحو 12 %من سكان شبه الجزيرة ويبلغ عددهم نحو 243 ألف نسمة من عدد السكان البالغ مليوني نسمة في الإقليم بينما يشكل المستوطنون الروس نسبة 58 % وهم من صوت لصالح الانضمام لروسيا.
حلم الإمبراطورية الروسية في الوصول إلى المياه الدافئة قديم من أيام حكم القياصرة وما كانت شعارات الشيوعية السوفيتية خلال القرن الماضي إلا ستاراً لأحلام القومية الروسية في التوسع وقضم المزيد من أراضي الدول المجاورة حتى عندما سقط الاتحاد السوفيتي واستقلت دوله استأثرت روسيا لوحدها بالأسلحة النووية وحرمت منها باقي الدول بل إنها فرضت على تلك الدول معاهدات إذعان تتيح لها التدخل في الشؤون الداخلية وتنصيب من تريد رئيساً أو مندوباً عنها.
وفي الحالة السورية نجد العنجهية والغرور على أشده حيث يتقصد الروس إذلال حلفائهم والتعامل معهم بفوقية بغض النظر عن مكانة ومنصب المسؤول السوري بل يسربون لقطات تؤكد بوضوح أن من يتحالف مع الروس هو “ذنب” لا أكثر كما وصفت الصحافة الروسية الأسد.
وما الأزمة الأوكرانية إلا حلقة في سلسلة أطماع الروس في احتلال أراضي الغير بقوة السلاح وفرض مفهوم جديد في العلاقات اسمه “البلطجة الدولية”.
محمد مهنا / مقال رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع
المصادر: ويكيبيديا – BBC -الجزيرة