صالح القلاب
لا أحد يستطيع التأكيد على أن هناك مبادرة جدية وفعلية لإيجاد الحل المطلوب، الفعلي والمعقول، للأزمة السورية التي غدت بعد 4 سنوات، بسبب دموية نظام بشار الأسد وبسبب التدخل الروسي والإيراني السافر، أكثر تعقيدا من ذنب الضب، فالمعارضة «المعتدلة» التي لها الحق في التحدث باسم الشعب السوري تنفي وهي صادقة أن يكون قد وصلها أي شيء مكتوب من هذا القبيل لا من موسكو ولا من الأمم المتحدة ولا مبعوثها الإيطالي دي ميستورا، وذلك في حين أن الروس يثيرون زوبعة حول هذه المسألة لكنها تبدو حتى الآن مجرد زوبعة في فنجان ومجرد كلام في كلام غير مقروء ولا مفهوم.
وبالطبع فإن نظام بشار الأسد الذي من المؤكد أنه قد تم «تلقينه» تطمينات من فلاديمير بوتين ومن سيرغي لافروف، وباقي طاقم الرئيس الروسي المعني بهذه المسألة التي تشكل نقطة ارتكاز السياسة الروسية الخارجية، بأن عليه أن يكون «إيجابيا» قد بادر إلى الإعلان عن استعداده للتفاوض مع «المعارضة» لكنه لم يوضح أي معارضة يقصد، وأغلب الظن أنه يقصد شركاءه في الحكم وإنْ كشهود زور ممن يعتبرون أعضاء في الحزب القومي السوري الذي بقي محظورا في سوريا منذ اغتيال الضابط الدمشقي البعثي، في عام 1955 وحتى وصول حافظ الأسد إلى الحكم بعد انقلاب عسكري على رفاقه في عام 1970.
إنه لا وجود إطلاقا لأي مبادرة جدية وفعلية لا من قبل الروس ولا من قبل الأمم المتحدة حتى الآن ثم وإن ما بدد الشكوك باليقين أن ناطقا باسم الخارجية المصرية قد نفى، بعد لقاء جمع وزير الخارجية المصري برئيس الائتلاف الوطني السوري هادي البحرة وعدد من أعضاء هذا الائتلاف الذي يشكل القوة الرئيسية والأساسية في المعارضة السورية، أن تكون بلاده قد تقدمت بأي مبادرة في هذا المجال أو أن لها أي علاقة بما يسمى المبادرة الروسية التي لا تزال وهمية ومجرد كلام في كلام وأن كل ما تقوم به مصر هو ترتيب حوار بين أطراف هذه المعارضة ليكون لها موقف واحد وموحد تجاه أي مستجدات حقيقية بالنسبة لحل هذه القضية بالوسائل السياسية السلمية.
ولهذا فإن السؤال الذي لا بد من طرحه هو: هل فعلا يا ترى أن الروس قد أصبحوا، بعد 4 سنوات من إذكائهم نيران الفتنة في سوريا وبعد كل هذا الدمار والخراب ومئات الألوف من القتلى والجرحى والملايين من المشردين واللاجئين، يريدون حلا سياسيا لهذه الأزمة، التي غدت على كل هذا المستوى من التعقيد والمأساوية، أساسه ما تم الاتفاق عليه في جنيف الأولى وتم إفشاله في جنيف الثانية عندما انقلبت القيادة الروسية ممثلة بوزير الخارجية سيرغي لافروف على ما كانت وافقت عليه وأصرت على أن الأولوية غدت ومن قبل الجميع وبما في ذلك المعارضة السورية ونظام بشار الأسد لمواجهة «داعش» و«النصرة» و«خراسان» وباقي التنظيمات الإرهابية؟!
وبالطبع فإن هناك، ردا على هذا السؤال، من يقول إن روسيا اليوم غدت بعد العقوبات الغربية التي فرضت عليها بعد انفجار الأزمة الأوكرانية وبعد انهيار أسعار النفط بهذه الصورة المأساوية المرعبة غير روسيا الأمس القريب وإنه عندما يصبح فلاديمير بوتين يجأر بالشكوى من أن التحالف الغربي يسعى لإسقاطه بعدما كان يحذر من أن هذا التحالف يريد إسقاط بشار الأسد فإنه غير مستغرب من أن يصبح الروس «يغزلون ناعما» وأكثر استعدادا للتخلي عن «صاحبهم» قبل أن يصيح الديك وبيعه بأبخس الأثمان!!
إن العلاقات بين الدول، وبخاصة الدول الكبرى، ذات المصالح الاستراتيجية المختلف عليها والتي شكلت على مدى حقب التاريخ وحتى الآن مجالا للحروب والمواجهات العسكرية، ليس كالعلاقات بين الجمعيات الخيرية التي تحكمها القيم النبيلة والأخلاقيات الجميلة ولذلك فإنه غير مستبعد أن يتخلى الروس عن بشار الأسد ونظامه إن هم ضمنوا حلا مع الأميركيين ومع دول الاتحاد الأوروبي لمشكلة أوكرانيا يحفظ لهم ماء وجههم وإن هم قدموا من التنازلات ما يقنع التحالف الغربي بتخفيف عقوباته الاقتصادية ضدهم، لكن المشكلة هي أن من الواضح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي أظهر عجزا وترددا غير مسبوق وضع الولايات المتحدة على بدايات التخلي عن تفوق ما بعد انتهاء الحرب الباردة، قد شرب حليب السباع فعلا في الأيام الأخيرة وأنه قد يواصل الضغط على موسكو ليعيدها إلى واقع ما قبل سطوع نجم فلاديمير بوتين وسعيه الفعلي لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي عندما كان في ذروة تألقه بعدما هزم الأميركيين تلك الهزيمة التاريخية في فيتنام.
لكن الواضح أن بوتين الذي بات يخشى على نفسه فعلا أكثر من خشيته على بشار الأسد ونظامه ما زال يرى أنه بالإمكان الاستمرار باستخدام الورقة السورية لتعديل موازين القوى الحالية ولو قليلا لمصلحته وأنه بالإمكان اللجوء لخلط الأوراق مرة أخرى وإفشال كل الحلول التي يجري الحديث عنها لتطويق الأزمة السورية على غرار ما تم بالنسبة لمؤتمر «جنيف 1» وذلك لخلق واقع جديد يعطيه فرصة أخرى كالفرصة التي وفرها له «جنيف 2» لترتيب أوضاعه ولإعادة النظر بتحالفاته الإقليمية والدولية من أجل هجوم معاكس يستند فيه استنادا رئيسيا إلى ما يفعله الإيرانيون في الشرق الأوسط وفي المنطقة العربية.. في العراق وسوريا ولبنان واليمن!!
إن أغلب الظن أن هذا هو ما يفكر فيه فلاديمير بوتين، الذي كان وزير خارجيته سيرغي لافروف قد أبلغ وزير خارجية إحدى الدول العربية في بدايات انفجار الأزمة السورية بأنه «سيرقِّصُ الأميركيين ووزير خارجيتهم جون كيري على أصابعه»، ولذلك فإنه، أي الرئيس الروسي، قد طرح هذه المبادرة التي لم تتضح مضامينها وأبعادها بعد معتمدا على رموز ثانوية في المعارضة السورية من أجل العودة بالوضع السوري إلى المربع الأول بحجة ضرورة توجيه الجهود كلها نحو مواجهة الإرهاب والقفز من فوق ما تضمنته اتفاقات «جنيف 1» وأهمه المرحلة الانتقالية التي يبدو أنه بات يعتبرها نسيا منسيا.
والغريب هنا أن بعض أوساط الإخوان المسلمين (السوريين)، الذين من المفترض أنهم يشكلون رقما رئيسيا في معادلة المعارضة السورية المعتدلة، وأنهم خلافا لـ«إخوانهم» المصريين مع خطوة المصالحة «المصرية – القطرية» التي جاءت نتيجة للجهود الجبارة الخيرة التي بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، قد لجأت في الأيام الأخيرة إلى التشكيك بالمواقف المصرية تجاه المأزق السوري والقول من قبيل التجني وخدمة للمخططات «الإخوانية» أنها باتت أقرب إلى بشار الأسد وأكثر ميلاً لمساندته ومساندة «المبادرة» الروسية التي لا هدف لها إلا إنقاذ نظام دمشق وتعويمه من جديد مرة أخرى على غرار ما جرى في «جنيف 2».. وبالطبع فإن هذا غير وارد على الإطلاق وليس له أي أساس من الصحة.
ثم وإن ما تقوله هذه الأوساط «الإخوانية» آنفة الذكر عن مصر والرئيس السيسي تقوله عن الأردن، وبالطبع أيضا فإن هذا غير صحيح على الإطلاق فالموقف الأردني والموقف المصري هو في حقيقة الأمر نفس الموقف السعودي والموقف القطري والموقف الإماراتي.. أي التأكيد على الحل السياسي الذي يوفر للشعب السوري تقرير مصيره بنفسه واختيار النظام الذي يريده والحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وعودتها لاتخاذ مكانها ومكانتها في الأسرة العربية وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.