من اليوم فصاعداً, لم تعد تلك الأحزاب الكردية المسلحة التي تسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي في شمال وشمال شرق سورية, تكتم صوت أطماعها في تحقيق الكانتون الكردي الإنفصالي على الأراضي السورية “روج آفا”, وتحويل حلمها إلى حقيقة, فالخطط على الورق انتقلت إلى المجاهرة بالتصريحات الكلامية المعبرة عن نية هذه الاحزاب ربط منطقة الإدارة الذاتية الكردية في شمالي سوريا بالبحر المتوسط, في خطوة تغضب السوريين المتمسكين بوحدة بلادهم وتركيا الدولة المجاورة التي تعيش حالة صراع داخلية مع حراك كردي انفصالي مسلح منذ عشرات السنين حتى اليوم..
بعد الخدمات الكبيرة التي قدمها الأكراد للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سورية, قال مسؤولون منهم “الأكراد” :
إن الخطوة القادمة هي كسب التأييد الامريكي للحصول على دعم سياسي من الولايات المتحدة لإنشاء ممر تجاري إلى البحر المتوسط كجزء من صفقة مقابل دورهم في “تحرير” مدينة الرقة والمدن الأخرى من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية” حسب تقرير سابق نشرته صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية..
إدلب ضمن الخارطة!:
يبدو المناخ اليوم, مناسباً أكثر من أي وقت مضى, لتستمر قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والقريبة من روسيا, في السعي نحو توسيع رقعة السيطرة وبسط النفوذ على الأرض, من خلال دخول مدينة الرقة بعد معركة مرتقبة مع تنظيم الدولة, ثم الإندفاع بصورة أعمق داخل الأراضي العربية الأخرى المحاذية لمحافظة الرقة على طول وادي الفرات, وانتزاع مدينة دير الزور من التنظيم, خصوصاُ بعد إعلان الولايات المتحدة عزمها الاستمرار في تزويد هذه القوات التي تضم نحو 50 ألف مقاتل, وتهيمن عليها مليشيا وحدات حماية الشعب الكردية بالأسلحة النوعية..
ولكن الغريب العجيب, كان إعراب عدد من مسؤولي هذه القوات عن رغبتهم في التوجه جنوبا وغربا نحو البحر المتوسط, عبر شمال محافظة إدلب التي لا يسكن فيها أي مكون كردي..
حيث كشف مسؤول أن قوات سوريا الديمقراطية في نهاية المطاف قد تندفع حتى باتجاه الغرب “لتحرير” مدينة إدلب الواقعة على بعد 170 كم غربي الرقة, والتي يسيطر عليها مجموعة من فصائل المعارضة السورية المسلحة, إضافة لتواجد عدد كبير من مقاتلي هيئة تحرير الشام فيها, وفق ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية.
حلم الوصول للمتوسط:
يدرك الأكراد جيداً أن السيطرة على منطقة الجزيرة لوحدها, واقتصار النفوذ الكردي المسلح في منطقة شرق الفرات هي خطوة غير مكتملة لإتمام إنشاء “روج آفا” على الأرض السورية, لذلك لا بد من ربط شرق الفرات مع غربه الذي تحاول تركيا ان تحيده عن مشروع الأكراد بشتى الوسائل, بل إن الوصول للمتوسط هي الخطوة الأهم في الحلم الكردي, من أجل خلق منفذ بحري يؤمن الدعم اللوجيستي ويقوي أرضية تجارية في المستقبل لهذا الكانتون الوليد..
هذا ما عبرت عنه صراحة “هدية يوسف” الرئيسة المشتركة للفيدرالية الديمقراطية شمالي سوريا, التي توسعت من منطقة الإدارة في شمال سوريا لتضم أراضي عربية كبيرة, في تصريح لها لصحيفة “الأوبرزرفر” البريطانية حيث قالت:
“إن الوصول إلى البحر المتوسط ضمن مشروعنا في شمالي سوريا, وهو حق مشروع لنا” حسب قولها!
وعند سؤال هدية عمَّا إذا كان ذلك يعني مطالبة الولايات المتحدة بتقديم دعمها السياسي لهم من أجل الحصول على طريقٍ تجاري يصل إلى البحر، بمجرد أن يساعدوها على استئصال تنظيم الدولة من شمالي سوريا، قالت: “بالطبع”.
الحماية الأمريكية:
اختلف المراقبون في تحليل النظرة الاستراتيجية الأمريكية حول دعم الأحزاب الكردية, فهناك من رجَّح أن تكون مجرد خطوة مؤقتة تحصل فيها الولايات المتحدة الأمريكية على ما تريد, من خلال حشدها لمقاتلين طامحين للتوسع الغير محدود بكسب رضا أمريكي يكون كجائزة ترضية أساسها النزعة القومية من أجل طرد تنظيم الدولة الإسلامية من سورية, ثم تغير الولايات المتحدة الأمريكية سياستها تجاه الأكراد عن طريق تنظيم حلمهم وحصره في إدارة ذاتية شرق الفرات فقط لضمان استمرار العلاقة مع تركيا الحليف القديم..
وهناك من رجَّح استمرار العلاقة وقيام الولايات المتحدة الامريكية, بالاعتماد على الأكراد حتى بعد نهاية الحرب في سورية كخطوة أولية على طريق تقسيم البلاد, تلبية للمخطط الامريكي الذي يقوم على أساس سايكس بيكو جديد, يزرع كياناً جديداً موالياً لواشنطن في سورية يضمن المصالح الأمريكية بعيدة المدى التي قد تصل إلى البحر المتوسط..
موقف الأسد وروسيا:
يقع البحر المتوسط على بعد 100 كم من أقصى نقطةٍ يسيطر عليها الأكراد، وستطلَّب الخطة اتفاقاً مع النظام السوري.
وعلى الرغم من توصُّل وحدات حماية الشعب الكردية والرئيس السوري بشار الأسد إلى اتفاقاتٍ سابقة بخصوص عددٍ من القضايا، مثل مطار القامشلي، الذي بقي تحت سيطرة الجيش السوري برغم وقوعه عميقاً داخل الأراضي الكردية، فإن من شأن أي اتفاقٍ أن يتطلَّب موافقة روسيا، الحليفة القوية للأسد، التي نشرت بدورها مؤخراً قواتٍ بريةً في أراضٍ يسيطر عليها الأكراد من أجل العمل مع وحدات حماية الشعب الكردية.
وسُلِّطت الأضواءُ على النفوذ الروسي في سوريا مرةً أخرى الجمعة، 5 مايو/أيار 2017، حينما كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مناطق حظرٍ للطيران أمام الجيش الروسي، والتركي، والإيراني، والأميركي، بهدف حماية المناطق الآمنة للمدنيين على الأرض..
أمام كل ما تقدم من وقائع, نجد أن تقسيم البلاد أصبح واقعا ملموساً وأن سورية كدولة نوحدة هي موجودة على الخارطة الجغرافية التي ترسم حدودها الأقمار الصناعية فقط, وبنفس الوقت نلاحظ ان جميع الأطراف اللاعبة تتقرب من الأحزاب الكردية المسلحة وتستخدمها بشكل دقيق ومدروس بطريقة مشبوهة تعبر عن نية هذه الدول تقسيم المنطقة على اساس عرقي ومذهبي جديد, رغم تعالي الاصوات السورية الرافضة لهذا المشروع الخطير الذي يسلب أراضي كبيرة من أصحابها الأصليين ويمنحها للوكلاء الجدد الذين لم يكونوا يوما من أهلها..
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي