خلال سنوات من الحرب في سورية وعدم وجود حل عسكري أو سياسي يلوح في الأفق، فقد السوريون الثقة بأي حل يمكن أن ينهي المأساة التي يعيشونها كل يوم بالمجتمع الدولي الذي لم يبد أبدا قبل اليوم أي خطوة جدية في التقدم بشأن إنهاء الصراع في سوريا، فكان السوريون يتلقون جميع التصريحات الدولية بقليل من التصديق وكثير من الشك بأي حل .
وبعد الاجتماع الأخير قبل أسابيع والذي لم يكن فيه أي وجود لطرف سوري فيه في تركيا واقتصار الاجتماع الدولي على الأطراف التي لها مصالح داخل الأرض السورية بين تركيا وإيران وروسيا ، بدأ الشعب السوري يتجهز لمرحلة التقسيم والتي بدأت تفرض ملامحها حسب أهداف تلك الدول .
وجاء هذا مترافقا بموجة النزوح الكبيرة من مدن الغوطة الشرقية جراء قصف نظام الأسد لها والمتواصل منذ شهور، ولم يكتف الأسد بذلك بل يبدو أن كل تلك الاجتماعات والمؤتمرات أعطت بشار الأسد الضوء الأخضر لشن هجوما جديدا على مدن المناطق الثائرة بالكيماوي، ولكن قد تكون هذه الهجمة هي القشة التي قسمت ظهر البعير، وأعطت المجتمع الدولي قرارا هو الأول من نوعه بعد سنوات.
الدول الأوربية ومواقفها من روسيا
وبعد انعقاد مجلس الأمن للبت في قرار واحد بتوجيه الاتهام وتحميل المسؤولية لنظام الأسد خرجت روسيا من جديد بحق الفيتو للمرة 12، وهو الأمر الذي جعل الموقف الدولي يتغير كثيرا خاصة بعد الموقف الذي يغلي فوق صفيح ساخن بين دول المجتمع الأوربي في قضية الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال الكولونيل السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية والذي قد تعرض لعملية تسميم في جنوب إنكلترا، وموقف روسيا العدائي وتبادل التصريحات وطرد السفراء من قبل الطرفين ما جعل هذه الأخيرة مكان المنبوذ دوليا و بدا ألجميع ينظرون لها بعين حمراء تقدح شررا !!.
وهذا الذي أدى إلى حشد الموقف الدولي باتخاذ موقف حازم خارج مجلس الأمن هذه المرة، و في قرار هو الأول من نوعه ولا بد أنه جديد وفق ما جرت عليه العادة في الإدارة الأمريكية في سياستها مع الوضع في سوريا، باتخاذ موقف حازم وضرب النظام السوري قبل أيام، جعل العالم يترقب وأولهم السوريون على الصعيدين الشعبي والسياسي والعسكري
الدور الأمريكي
على خلاف الإدارة سابقا والتي كانت شديدة الحرص على التصريحات بدون أفعال، والتي وصفها البعض بالفارغة من محتواها، حيث تعمدت الإدارة الأمريكية التملص بأسلوب مراوغ من مسؤوليتها تجاه ما يجري في سوريا، إذ حصل ولأكثر من مرة أن خرج الرئيس أوباما ووصف استخدام الكيماوي من قبل النظام السوري بالخط الأحمر والذي استعمله الأخير كثيرا ولكن دون أي حل عسكري جدي يلوح في الأفق من قبل الدولة العظمى الأولى في العالم، وراهن الشعب السوري على الموقف الأمريكي الغير جاد منذ سنوات، والذي اقتصر على تواجده في مناطق الأحزاب الكردية، وعلى ما يبدو أن أمريكا الآن تحاول بسط نفوذها وفرض كلمتها على الساحة السورية .
خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقرار ضربة موجهة لنظام الأسد وقصف مواقع حيوية، كصفعة قوية لروسيا الدولة التي اعتبرت طرفا قي الصراع والتي حاولت بشتى الطرق تقوية شوكتها في سوريا ولكن موقف روسيا قد ضعف كثيرا ولربما حسب محللون قد تبتعد من الساحة حاليا للدول التي قررت توجيه هذه الضربة للأسد وبعض الشخصيات التي وجهت إليها لاتهامات بضرب المدنيين بالكيماوي وتأجيج الصراع في سوريا .
و يتوقع الدكتور دانيال سيروير الباحث بمعهد الشرق الأوسط أن يتراوح الرد الأمريكي على الهجوم السوري على مدينة دوما ما بين ضربة عسكرية قوية للغاية قد تغير من موازين القوى أو ضربة محدودة على غرار ما حدث العام الماضي، ولا يستبعد ردا كبيرا من الروس في حال ضربت أمريكا
حيث قال; لا يوجد أدنى شك في أن الروس سينتقمون في حالة تعرض جنودهم للقتل وبالتالي فاحتمالات التصعيد قائمة، وبالطبع لا يمكن التكهن بطبيعة الرد الروسي بالتحديد لكنه سيحدث في كل الأحوال، وهنا يجب أن تكون القيادة الأمريكية السياسية والعسكرية قد وضعت كافة الاحتمالات على الطاولة قبل تنفيذ أي ضربة عسكرية .
إلا أن الرد الروسي ليس مضمونا ولا أكيدا في ظل التحالف من قبل دول أخرى كبريطاينا وألمانيا وفرنسا في الضربة . وفي حال حصل وتأجج الصراع فإن هناك من يقول بطبول حرب عالمية ثالثة تدق من خلال كل ما ستؤول إليه الأمور بين كل تلك الدول .
ولكن الأمر لا يتوقف فقط على دور أمريكي واستبعاد الروس من الدائرة شيئا فشيئا، بل يبدو أن أمريكا تعمل على تنحية إيران والتي تلعب مع أمريكا لعبة القط والفأر في حرب باردة، بالإضافة للتخوف الإسرائيلي من الدور الإيراني في المنطقة، والذي جعل أمريكا تريد صرفها بعيدا محاولة إنهاء سيطرتها داخل سوريا، ويأتي هذا وذاك بعد انعقاد اتفاقيات بين عدوة إيران اللدودة المملكة العربية السعودية و دول الخليج العربي متفقة أن إيران بدأت تتوغل في المنطقة بشكل مخيف وكبير وأن الهلال الإيراني بدأ على تحقيق أهدافه في المنطقة العربية.
وخلاصة القول; إن الضربة لربما تكون باب جديد في النزاع السوري وتقاسم السلطات والمصالح، حيث بدأت تدخل دول جديدة في تطور لافت، وينظر السورين قبل الجميع على رهانات المواقف الدولية وتصعيدها، وحول مصير الأسد ومحاسبته بشكل حقيقي بعيدا عن التهديدات والتوعد، و يمكن أن تكون أبعاد الضربة أكبر بكثير مما يظن الجميع، أو لعل كل تلك الخطوات مجرد زوبعة في فنجان كالتي قبلها وتقتصر على ( فركة أذن ) لبشار الأسد، و يرى البعض أنه لا يجب التعويل على الأمر قبل حدوثه جراء فقدان الثقة وزعزعة الموقف الدولي في اتخاذ أي إجراء حقيقي .
زهرة محمد – المركز الصحفي السوري