يكاد الأطفال ينسون شكل الزينة.. وصوت طبلة “المسحراتي”.. وبهجة الاجتماع على مائدة الإفطار… وصحبة الأهل إلى صلاة التراويح.. فللعام الخامس على التوالي يأتي رمضان في حلة النزوح وطعم اليتم وفقدان الأحبة.. للعام الخامس على التوالي رمضانهم “حزين”.
و في مخيم النازحين السوريين في خرب”قرية”داوود، ببلدة عكار شمالي لبنان، يتحلق أطفال، شاحبو الوجوه رغم مسحة الجمال والبراءة في ملامحهم، حول شيخ مسن، يستمعون إلى ذكرياته عن أشهر الصوم المجيدة في سوريا.
الاجتماعات الجميلة
ويتحدث العجور الستيني عن الاجتماعات الجميلة في حارات دمشق القديمة خلال شهر رمضان، والاحتفالات والسهرات التي كان يقضيها إلى جانب رفاقه يلعبون “طاولة الزهر” ويشربون الشاي الشامي.
يردف وقد دمعت عيناه “فجأة تبدل كل شيء. انقضى حلمنا بسوريا الراقية المعافاة بسرعة. لقد هدمت الحرب كل شيء”.
في خيمتها المهترئة تسرد مينا عوض(65عاما)، ابنة ريف القصير، معاناتها في سوريا إبان الحرب، قبل نزوحها إلى لبنان.
وتقول عوض “أمضينا عامين نأكل العشب كالدواب طيلة أيام رمضان. في الشتاء نأكل كل عشبة تنبت في الأرض، أما صيفاً فكنا نعتمد على عشبة البازيلا المخصصة للأبقار”.
“هنا في لبنان نعتمد على المساعدات التي تأتينا من المشايخ وأصحاب الأيادي البيضاء، كمنظمات المجتمع الدولي. يبقى كل ما نحصل عليه هنا أفضل من موتنا المجاني في سوريا”، تضيف عوض.
دفيء العائلة
أما جارتها في سوريا، والتي صارت أيضاً جارتها في خيمة النزوح، مريم الفضل فتشكو حرمانها من “دفىء العائلة” في رمضان.
السيدة الأربعينية، التي خسرت زوجها في الأحداث الدامية بسوريا، تتذكر كيف كان يعيلها في رمضان بالقول “كنا نتدبر أمورنا بسبب وجوده إلى جانبي. أما الأن فأنا وحيدة، أتكل كسواي من أبناء المخيم، على المساعدات المقدمة إلينا”.
تتابع الفضل “بعد ما تذوقته هنا من حرمان وأسـى، أجد الوضع في سوريا مهما كان أفضل بكثير مما نعيشه اليوم. في سوريا كان لرمضان طعم مختلف. كنا نجتمع على سفرة واحدة، أصدقاء وأخوات وأحباب وأقارب. أما الأن، فلا أقوى على التفكير كيف سيمر شهر الصوم، بينما أنا في الأيام العادية أكاد أبصق كل ما أتناوله بسبب مرارة الوحدة التي تلسع لساني مع كل لقمة”.
بدوره، يعبر عدنان الكنج(70 عاما)، النازح من بلدة القصير السورية عن الحزن الذي يعتري نفوس الأطفال، خلال رمضان وبعده.
يشير إلى أنه “لا زينة في المخيم تعلمنا بقدوم الشهر الفضيل. ولا ملابس جديدة للأطفال استعدادا للمناسبة. جل ما يريده النازحون هنا هو تأمين الطعام والشراب، والقوت اليومي الذي يحتاجون إليه”.
ويضيف “في سوريا كنا نجتمع مع بعضنا البعض على سفرة واحدة. ونتبادل الدعوات للإفطار. كما نتبادل الهدايا فرحا بقدوم أهم الأشهر وأكثرها روحانية. الأن بتنا مشتتين، ولا حول ولا قوة لنا سوى المطالبة بالالتفات إلينا، وتقديم المساعدات من أكل وشرب للأطفال، لا سيما الأيتام والمعوزين منهم”.
كما ترى المرأة الستينية تركية العاشور، التي أنهك العوز جسدها المترهل أن “كل شيء في المخيم يختلف عن سوريا. هنا لا نعرف مصيرنا أين سيكون، في حين كنا في بلادنا نعيش دون خوف أو تعب. فهي بلادنا في النهاية، ونستطيع تدبر أمورنا فيها مهما حدث. يكفي أننا عبارة عن ثلاثة عائلات نقطن في خيمة واحدة، لتكون الحياة صعبة وشاقة”.
كراتين غذائية
وتشير روضة عواد إلى أن “حياة النازحين في رمضان تقوم على المساعدات التي تصل إليهم. إن حصلنا على كراتين غذائية نأكل وإن لم نحصل عليها نموت جوعا”.
وتضيف “المشايخ والعائلات الميسورة من اللبنانيين يساعدوننا أيضا، ولكن كل ذلك لا يكفي لسد حاجتنا بشكل كامل. فأنا مثلا أم لستة أطفال، اثنان منهم بحاجة إلى عمليات جراحية خطيرة، بعدما أصيبا خلال الحرب في سوريا”.
وتكشف أن “أحدا من النازحين لم يعرف فرحة العيد منذ سنوات.. لا أحد يشعر بالفرح أو الراحة. حتى الأطفال ليسوا فرحين، ومن يدعي غير ذلك، فهو كاذب. الأطفال يذكروننا بكل شيء جميل في سوريا، بأيام رمضان التي كنا نقضيها بالتجوال والتنزه على ضفاف الأنهار. لم تكن وجوه الأطفال شاحبة كما هي اليوم. باختصار إننا تعبون جسديا ومعنويا ونفسيا”.
واستقبل لبنان أكثر من 1.1 مليون سوري هربوا من النزاع الدامي الذي تشهده سوريا المجاورة منذ منتصف مارس/ آذار 2011، بحسب إحصائيات للأمم المتحدة، يعيشون أوضاعاً صعبة في مخيمات النزوح.
وكالات