وسط درجات الحرارة المرتفعة وانقطاع الكهرباء وشحّ المياه وأسعار المواد الفاحشة بسبب الحصار الذي يطبقه تنظيم داعش والنظام؛ يعيش قرابة 90 ألف مدنيٍّ في دير الزور رمضانهم الثاني.
«أفطر لتصوم عائلتي»؛ يقول عبد الله، أحد سكان حيّ الجورة، فهو يقضي عشر ساعاتٍ من وقت الصيام بين طابور الخبز وتعبئة المياه ونقلها إلى المنزل والبحث في السوق عن مستلزمات وجبة الإفطار. «يتناول الناس في رمضان وجبتين فقط؛ إفطار وسحور، وهذا يناسب المحاصرين الذين لا يتسنى لهم أكل ثلاث وجباتٍ في اليوم»؛ يقول عبد الله ساخراً. لكنه يأكل وجبةً واحدةً فقط، فستة أرغفةٍ من الخبز بالكاد تكفي عائلته المكوّنة من أربعة أفراد.
طابور المياه الباردة
صيف دير الزور قاسٍ، فدرجة الحرارة لا تقلّ عن أربعين في أحسن الأحوال. ومع غياب الكهرباء يبيع أصحاب المولدات المياه الباردة بخمسين ليرةً للكأس الواحدة ومئةً لليتر. يتجمع الناس بطوابير من مئات الأشخاص لشراء المياه قبل الإفطار بساعة. تتخلى عائلة محمد في القصور عن شحن بطارية الإنارة لتشتري ثلاثة ليتراتٍ يومياً، أما عائلة عمر فلا تشتري حتى وإن امتلكت المال، فالمسافة بين منزلها ومحلات البيع بعيدةٌ ما يجعل المياه تفتر قبل وصولها إلى المنزل، ولذلك تقوم العائلة بوضع كمياتٍ قليلةٍ من الماء في أوانٍ مسطحةٍ (صينية) في مكانٍ ظليلٍ حتى تبرد قليلاً. يقول عمر إن الأهالي ابتدعوا هذه الطريقة حديثاً بعد أن كانوا يعبئون الماء في عبواتٍ بلاستيكيةٍ مغلفةٍ بأكياسٍ رطبةٍ من الخيش (الشوال) ويعلقونها في مكان هبوب الرياح. ندر استخدام هذه الطريقة مؤخراً لأن أغلب العوائل استخدمت أكياس الخيش لإشعال النار للطبخ كما فعلت عائلتي.
اعتادت موائد الأهالي في الحصار على وجود نوعٍ واحدٍ من الطعام، لذا يعدّ رمضان احتفالاً بالنسبة إلى البعض. «بألف ليرة أقمنا وليمةً في اليوم الأول»؛ يقول بسام ساخراً، فقد اشترى مئة غرامٍ من البرغل بخمسمئة ليرة، وربطة بقدونس بمئتين، وعشر حباتٍ من الحصرم بثلاثمئة، لتعدّ والدته شوربة البرغل وسلطةً من البقدونس والحصرم لعدم توافر الليمون وملحه.
سحورٌ بطعم الحصار
مع قدوم رمضان رفع التجار أسعار المواد الغذائية، وخصوصاً الحلاوة التي تعدّ أساسيةً على مائدة السحور في دير الزور، فقد زاد سعر العلبة (400 غ) ليصبح 8 آلاف ليرة. «نقوم بثرد رغيفٍ من الخبز في وعاءٍ مع قليلٍ من الماء وملعقةٍ من الحلاوة»؛ يقول محمد إن هذه هي الطريقة الأمثل لكي تكفي مئة غرامٍ منها عائلته المكوّنة من خمسة أفراد. لا تتسنى لكثيرٍ من العوائل أكثر من وجبةٍ في اليوم، فكميات الخبز التي تباع باتت أقل منها في الفترة الماضية بسبب قلة الوقود اللازم لتشغيل الأفران.
حلويات رمضان
تباع العوامة (اللقم) في السوق بمئة ليرةٍ للقطعة الواحدة. وعلى الرغم من تحضيرها بطحين النخالة بدلاً من الطحين الأبيض، وقليها بزيتٍ رديء، إلا أن سامر يصرّ على إنفاق ثلاثمئة ليرةٍ كلّ يومٍ ليشتريها لأطفاله الثلاثة مكافأةً لهم على صيامهم. تحلّى العوامة بقطرٍ مصنوعٍ من روح السكر، ولذا تتجنب عائلة أم عمر شراءها خوفاً من مضارّها على صحة طفلها ذي الخمسة أعوام، وتقوم بطبخ البرغل الناعم مع القليل من ظرف العصير (بودرة) وتقدمه لعائلتها. يعي أبناؤها أن هذه ليست مأمونية، لكنها حلوى لذيذةٌ بالنسبة إلى أصغرهم، فهو يعرف من خلالها طعم الليمون والبرتقال والفريز، كما تقول أم عمر.
صلاة التراويح
يذهب أبو علي، ذو الخمسين عاماً، إلى صلاة التراويح وحيداً، فقد استطاع أن يخرج ولديه من الحصار عبر طائرة الهليكوبتر مقابل أربعمئة ألف ليرة. «يخلو المسجد إلا من صفين أو ثلاثةً من المصلين، على عكس رمضان الماضي، فقد نزحت الكثير من العوائل»؛ يقول أبو علي ويضيف: «أصلي أربع ركعات، فنقل بدونات المياه مسافة 500 م إلى منزلي في الطابق الثاني أفقدني القوة لإكمال الركعات الأخرى». يصلى الناس -حتى الصغار منهم- جلوساً، ففي اليوم الأول من رمضان سقط أحد المصلين في مسجد الفتح في حيّ القصور مغمىً عليه بسبب الإعياء، ولذا طلب الإمام من المصلين أداء صلاة التراويح جلوساً وثماني ركعاتٍ فقط.
أحمد مهيدي – عين المدينة