تخيم أجواء رمضانية ليست كتلك المعتادة في حياة السوريين، وقد بات قرابة مليون منهم لاجئين في دول أوروبا الغربية، حيث تغيب أجواء الشام الرمضانية، الشام بمعناها الكبير المعروف لدى أهلها، والتي تعني بمنظورهم سوريا الوطن بمحافظاتها كافة، حيث تشتهر عن دون دول الوطن العربي بطقوسها الخاصة خلال الشهر الفضيل، والتي لا تعدو كونها خاصية مميزة لها ولأهلها الذين «غدر بهم الزمان» كما يقول بعضهم، فأضحوا على أعتاب الدول والحدود، طالبين العون والمدد، دون مجيب.
ومن بين الدول الأوروبية كافة، تعد ألمانيا الأولى من حيث الرصيد الذي احتوته من أعداد السوريين الذين وطئوا ديارها منذ بدء مرحلة الثورة، كما الدول الأوروبية الأخرى، كنتاج طبيعي لحالة الحرب الدائرة في البلاد، والتي انتهج فيها نظام بشار الأسد سياسة الحديد والنار تجاه السكان الآمنين، ففروا حاملين معهم بقايا ذكريات لأيام خلت، لكنها حتماً ستعود كما تقول لـ»زيتون» أماني جوخدار، وهي من سكان حلب وتقيم لاجئة في برلين عاصمة الألمان.
«رمضان قاس جداً ومرير بأجوائه الغائبة على مستوى الأسرة والمجتمع والأهل والخلان، وحتى على مستوى الطعام نفسه، فلا تمر هندي ولا عرق سوس ولا سكبة من الأكل للجيران» كما تقول «أماني» التي تروي بذلك حزناَ شديداً انتابها وعائلتها في رمضان هو الأول لهم خارج حلب، المدينة السورية التي تتربع حالياً على عرش المدن المنكوبة عالمياً باعتراف الأمم المتحدة.
وتضيف أماني «في كل رمضان في سوريا، لا تغيب عنا أجواء اعتاد عليها العيون والأذان بل وحتى الفؤاد، أجواء أضحت في صميمنا، أجواء انتهكتها الحرب كما انتهكت حرمة دمائنا، لا صوت المسحر حاضراً هنا ولا أصوات الباعة في الأسواق، ولا يوجد ذكر الله في المساجد، كما المساجد غير موجودة في مناطقنا، ليس الأمر ديني بقدر ما هو نفسي اجتماعي، لكنه ذهب نتيجة سياسة الحديد والنار، نتيجة همجيّة من يقول عن نفسه رئيس ويضرب شعبه بالبراميل والصواريخ وهم رقود ونيام.. كلنا أمل بعودتنا قبل رمضان القادم، ندعو الله عقب كل صلاة، هو القادر على سماعنا فقط الآن وهو القادر على الاستجابة..».
وفي الدنمارك، لا يختلف الحال عند أسرة «أبو معاذ الحوراني»، وهو لاجئ من درعا في إحدى مقاطعات جنوب الدولة الأوروبية، يقول أبو معاذ: «ليس من السهل علينا أن نمضي رمضان هنا، هو الثاني لنا في هذه البلاد الملعونة، نعم إنها ملعونة لأنها ليست لنا، إنها ليست بلادنا، هي لها أهلها وناسها ونحن لسنا منهم، نحن جئنا رغما عن أنفنا إلى هنا، نبكي كل يوم قبل الإفطار وبعد الإفطار، عند السحور وبعده، نناجي الله بأن يفرج عنا وعن أهلنا في الشام قريباً، أنا وعائلتي نصلي معا لله بأن لا نبقى هنا يوما آخرا..».
من جانبها، ترى زهرية ح.م وهي من إدلب وتتواجد في مدينة مالمو جنوب السويد أن «رمضان في بلاد الغربة عقوبة يتلقاها السوريون»، تردف «نعم إنها عقوبة ليس بسبب ساعات الصيام الطويلة، لكن أن تتناول طعامك وأنت وأسرتك مشتتين في أكثر من أربع أو خمس دول فهذا عقاب، لعن الله الحرب ولعن كل ما أنتجته لنا من دمار، ولعنك الله يا بشار الأسد فأنت من أوصلنا إلى هذه المراحل بعد أن كنا نعيش أفضل كم كل شعوب العالم، ليس لأنهم يحكموننا لكن لأننا شعب يحب العمل ويتفانى به ويخدم الآخرين دون مقابل، والآن أصبحنا نتسكع على أبواب دول العالم وكل منهم يرمينا على الأخر.. لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل على كل ظالم تسبب بما نحن فيه..».
ويرى «أبو خالد» وهو لاجئ من مخيم اليرموك بدمشق ومقيم في ستوكهولم، عاصمة السويد، أن الله رحم السوريين خلال شهر رمضان، حيث تتواجد في منطقته التي يعيش فيها مساجد قليلة، ويجتمع فيها بعض الجاليات العربية، الأمر الذي يهوّن الغربة عليه وعلى عائلته كما يقول.
ويتابع أبو خالد: «الكثير من الأطفال ومنهم أطفالي يذهبون حالياً أيضاً لتعلم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم في مساجد قريبة، هذه نعمة من الله على الرغم من عمق الجرح الذي فينا، ليس لدينا خيار آخر إلا أن نموت ونحن عائشون، وإلا علينا أن نتمسك بأي شيء يشعرنا بأننا صائمون على الرغم من أننا في بلاد لا تعرف ماذا يعني رمضان، ربما لا تعرف شيء عن المسلمين سوى الإرهاب..!!».
وترى «نيرمين يوحنا»، وهي لاجئة سورية مسيحية من ريف دمشق في بلجيكا، أنها سعيدة لإخوانها من المسلمين السوريين وغيرهم في شهر رمضان، وتضيف «أنا أتشارك معهم موائد الإفطار كل يوم تقريباً، هذا شيء تربيت عليه، على الرغم من أن رمضان للمسلمين، لكنه شيء موجود في قلبي أنا أيضاً، إنهم أخواني هجروا من ديارهم كما هجرت، قد نختلف في الدين، لكن يجمعنا الهم والمصاب والألم والأمل..».
وفي شهادات أخرى قد لا يتسع المجال لذكرها، رصدتها «زيتون» خلال أجواء الشهر الفضيل مدن أوروبا، التي بدت تدب فيها حركة غير معتادة للوجود الجديدة الوافدة إليها من السوريين خاصة، حيث يلاحظ الباحث حركة اندماج واضحة المعالم لدى شريحة واسعة منهم، لكنها لم تنجح حتى الآن في أن تمحو صورة «الشام» من ذاكرتهم المفعمة باللحظات السعيدة بها، في رمضان وغيره، والتي يؤكدون أنها ستعود حتماً بعد نيلها وأهلها الحرية المنشودة.
المصدر: جريدة زيتون