في حين تتصاعد الأزمة الاقتصادية التي تعصف بحكومة النظام السوري، مع انخفاض قيمة الليرة السورية إلى مستويات لم يعهدها السوريون من قبل، كثفت الولايات المتحدة الأمريكية من تصريحاتها، خلال الأسبوع الماضي، عبر مسؤولين بارزين وبيانات رسمية.
وحملت التصريحات رسائل تهديد مباشرة إلى النظام ورئيسه، بشار الأسد، وداعميه روسيا وإيران، بضرورة الانخراط بجدية في الحل السياسي أو تحمّل مزيد من الضغوط الاقتصادية والعقوبات المشددة.
وتأتي هذه التصريحات والتهديدات قبل أيام من دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ، وهو مشروع قانون أقره مجلس النواب الأمريكي، في 15 من تشرين الثاني 2016، واعتمده مجلس الشيوخ في 17 من كانون الأول 2019.
وينص القانون على معاقبة كل من يقدم الدعم للنظام السوري، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد.
زيادة عزلة الأسد
واتسمت السياسة الأمريكية، خلال السنوات الماضية، بالضبابية في تعاملها مع الملف السوري، لكنها بدأت، خلال أيار الماضي، ببلورة سياسة العزلة السياسية وتشديد العقوبات الاقتصادية، وصولًا إلى خنق النظام وإجباره على الانخراط بجدية في العملية السياسية تحت مظلة الأمم المتحدة.
وكان المبعوث الأمريكي الخاص بالملف السوري، جيمس جيفري، تحدث لأول مرة في أيلول 2018، عن اتباع أمريكا سياسة “استراتيجية عزلة” مع حلفائها، تشمل عقوبات مشددة، إذا عرقل الأسد العملية السياسية.
وبعد قرابة العامين، وفي ظل عدم وجود أي تقدم في العملية السياسة باستثناء انطلاق عمل اللجنة الدستورية في جنيف، التي عرقل النظام الجولة الثانية منها في تشرين الثاني 2019، جدد جيفري حديثه عن الاستراتيجية، مع اختلاف المعطيات والواقع السياسي الحالي.
وفي لقاء افتراضي عبر الإنترنت مع الجالية السورية في أمريكا، في 8 من حزيران الحالي، حدد جيفري الخطوات الأمريكية المستقبلية في التعامل مع النظام السوري والأسد، وهي عزل النظام، والحرص على ألا يعامله أحد على أنه نظام طبيعي “لأنه ليس كذلك”.
كما تحاول أمريكا الضغط على روسيا وإيران لإيقاف دعم النظام، وتطبيق العقوبات الاقتصادية عليه وعلى داعميه، وعلى “الأنشطة التي تساعده على قمع شعبه، وعلى تمويل إعادة الإعمار في ظل نظام الأسد من أي جهة دولية”، بحسب تعبير جيفري.
وتحدث المبعوث الأمريكي عن عرض قدمته الولايات المتحدة للأسد، للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية، معتبرًا أنه “إذا كان مهتمًا بشعبه سيقبل العرض”.
ولم يحدد جيفري مضمون العرض الأمريكي، لكنه أشار إلى أن واشنطن “تريد رؤية عملية سياسية، من الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام، لكن تطالب بتغيير سلوكه وعدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية، وعدم تأمينه قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة”.
أما المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأمريكية، إريكا تشوسانو، فحددت ما أسمته “استراتيجية الخروج الوحيدة” للنظام السوري، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف به.
وقالت، في بيان وصل إلى عنب بلدي عبر البريد، في 10 من حزيران الحالي، إن “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 هو استراتيجية الخروج الوحيدة المتاحة للنظام السوري، وينبغي أن يتخذ النظام خطوات لا رجعة فيها، لتنفيذ حل سياسي للصراع السوري يحترم حقوق الشعب السوري ورغبته، أو سيواجه المزيد من العقوبات الهادفة، والعزلة”.
وأكدت تشوسانو أن واشنطن ستواصل فرض العقوبات الهادفة للضغط الاقتصادي المتزايد على النظام حتى تحقيق تقدم لا رجعة فيه بالمسار السياسي.
رسائل إلى روسيا
ولم تكن التصريحات الأمريكية موجهة إلى الأسد نفسه فقط، وإنما حمل جزء كبير منها رسائل إلى روسيا كونها اللاعب الأبرز في سوريا والداعم الأكبر للنظام، بعد مغازلة جيفري لموسكو، في أيلول الماضي، عندما دعاها ضمنيًا إلى عقد اتفاق يسهم بإخراج القوات الإيرانية من سوريا، والإسهام بشكل جدي في التوصل إلى حل سياسي.
وأكد جيفري أن أمريكا على تواصل مع روسيا، في حين صرحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، إريكا تشوسانو، أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لا تقتضي إبعاد روسيا من سوريا.
وقالت تشوسانو في رد على أسئلة عنب بلدي، إن السياسة الأمريكية في سوريا تركز على التوصل إلى حل سياسي متفاوض عليه للصراع، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وفي رد على المغازلة الأمريكية، أعلنت موسكو، عبر نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، استعدادها للحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن سوريا “إذا أرادت ذلك”.
وقال ريابكوف في مؤتمر صحفي، في 9 من حزيران الحالي، إن روسيا ستوسع الحوار مع أمريكا من أجل سوريا، إذا استجابت لذلك وأرادت ذلك، “فنحن من جانبنا مستعدون”.
وبالفعل أجرى المبعوث الأمريكي الخاص بالملف السوري، جيمس جيفري، مباحثات مع نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي فيرشينين، حول “تسوية سياسية” في سوريا، بحسب بيان للخارجية الأمريكية، في 11 من حزيران الحالي.
وأوضحت الخارجية أن “جيفري ناقش مع فيرشينين العملية السياسية لتسوية الصراع السوري، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يحقق سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها”.
أما النظام السوري، وفي رد على مطالب جيفري، فاعتبر أن “تشديد العقوبات هو وجه آخر للحرب المعلنة على سوريا، وأن أمريكا تنظر إلى المنطقة بنظرة إسرائيلية، لأن المطالب التي يتحدث عنها جيفري هي مطالب إسرائيلية قديمة متجددة لفرض سيطرتها على المنطقة”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر في وزارة الخارجية.
وفي ظل تعنّت النظام السوري، ومحاولته التصدي لتدهور الليرة السورة بعقلية أمنية عبر مداهمة الصرافين، أو بإجراءات جديدة من بينها الدعم من الحلفاء، ينتظر السوريون ما ستؤول إليه الأيام المقبلة مع دخول “قيصر” حيز التنفيذ، متخوفين من زيادة في سوء الواقع المعيشي، أو آملين بتحول قد يفضي إلى انطلاق عملية سياسية فعلية.
نقلا عن عنب بلدي