وصلت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، الدكتورة هند قبوات، مساء الخميس 24 نيسان (أبريل) 2025 إلى العاصمة الإيطالية روما للمشاركة في مراسم تشييع البابا فرنسيس، الذي وافته المنية في الـ21 من نيسان (أبريل) عن عمر ناهز 88 عامًا ، بعد معاناة مع أمراض متعددة خلال بابويته التي استمرت 12 عامًا.
جاءت المشاركة السورية الرسمية تزامنًا مع إصدار الرئيس السوري أحمد الشرع بيانًا رسميًّا عبر فيه عن “حزنه العميق” لوفاة البابا، معتبرًا أن رحيله “خسارة إنسانية كبيرة”، وفي ذلك إشارة على تحوُّل في علاقة دمشق مع الفاتيكان، التي طالما اتسمت خلال سنوات الحرب بالتوتر- خاصة خلال النظام السابق -.
إرث البابا في سوريا
منذ توليه منصبه عام 2013، لم يتوقف البابا فرنسيس عن دعم الشعب السوري، واصفًا الحرب بأنها “واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في عصرنا”، وفي خطاباته، دان “العنف المنهجي” وطالب بحماية المدنيين، ودعا إلى فتح ممرات إنسانية، وأدان استخدام الأسلحة الكيميائية، مُطلقًا على سوريا لقب “أرض الشهداء”.
وجعل البابا فرنسيس قضية اللاجئين السوريين في صلب أولوياته إذ دعا مرارًا إلى استقبال اللاجئين وتوفير الحماية الدولية لهم منتقدًا سياسات الإغلاق الأوروبية، وخصص الفاتيكان موارد مالية لدعم مخيمات اللاجئين في لبنان والأدرن .
وتبنى الفاتيكان سياسة مفتوحة على ممثلي المعارضة السورية، حيث استقبل عام 2012 ناشطين سوريين من المنظمات المعارضة منها ” المجلس الوطني السوري” في لقاء جمع بين المعارض السوري جورج صبرا و بابا الفاتيكان .
وبعد التغيير السياسي في سوريا (2024) وسَّع الفاتيكان حواره مع فصائل المعارضة السورية، داعيًا إلى “مصالحة وطنية شاملة” وتحقيق الاستقرار في البلاد والحكم بطريقة تعزز الوحدة الوطنية .
وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول مدى تأثير تصريحات البابا فرنسيس على الأرض السورية ، لكن المؤكد أن صوته كان من بين الأصوات التي خاطبت معاناة السوريين من منبر عالمي، ماجعله شخصية تحظى باحترام شريحة واسعة من السوريين حتى من غير المسيحيين .
انفتاح دبلوماسي سوري مع الفاتيكان:
أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع بيانًا رسميًّا يوم 23 نيسان (أبريل) الجاري نعى فيه وفاة البابا فرنسيس، مشيدًا بدوره في “دعم وحدة الشعب السوري” و”رفع صوته ضد الظلم”. وجاء في البيان: “تجاوزت دعوات البابا الحدود السياسية، وسيبقى إرثه في الشجاعة الأخلاقية والتضامن مع شعبنا حيًّا”.
و تُعد تصريحات الرئيس الشرع ومشاركة وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات في مراسم تشييع البابا أول موقف رسمي علني للحكومة السورية الحالية تجاه الفاتيكان، بعد سنوات من التوتر مع نظام الأسد المخلوع ، الذي اتهم جهات كنسية بـ”الانحياز السياسي” لدعمها المعارضين السوريين.
إذ لم تبد حكومة المخلوع أي رد فعل إيجابي تجاه انتقادات الفاتيكان لانتهاكات النظام، بل اتسم خطابها الرسمي بالتجاهل أو التجريح غير المباشر، مثل اتهام “بعض الجهات الكنسية بالتحيز، لكن مع تغيُّر ميزان القوى في سوريا بعد سقوط نظام الأسد في أواخر 2024 شكَّلت وفاة البابا فرنسيس فرصةً لإظهار”انفتاح دبلوماسي” عبر مشاركة وزيرة رسمية في الجنازة ( الدكتورة هند قبوات) و بيان الرئيس الشرع الذي نوّه بـ”الدور الأخلاقي للبابا في دعم وحدة الشعب السوري”..
صوت البابا كان ضمير الكاثوليك السوريين
يعيش الكاثوليك السوريون، الذين يمثلون طوائف مثل الروم والموارنة والسريان، حالة من الحزن بعد رحيل البابا، وتحدث المطران جاك مراد، رئيس أساقفة حمص للسريان الكاثوليك عن شعور المؤمنين بالضياع لدى تلقيهم نبأ وفاة البابا في أعقاب مشاركتهم في قداس اثنين الفصح ، أما في حلب تلقت الجماعات المسيحية المحلية بثقة كلمات البابا فرنسيس المعزية، خلال المراحل المظلمة التي عاشتها المدينة، ولاسيما في السنوات العشر الماضية، وذلك بعد أن واجهت الكنيسة الكاثوليكية في سوريا تحديات في الحفاظ على الحياد خلال الحرب، لكن مواقف البابا الجريئة شكلت دَعمًا روحيًّا للسوريين، حتى من غير المسيحيين.
ولم يقتصر الحزن على سوريا، ففي باريس دُقّت أجراس كاتدرائية نوتردام 88 مرّةً رمزًا لعمر البابا، بينما أُطفئت أنوار برج إيفل حدادًا، أما الفاتيكان، فقد اجتمع مع قادة العالم لتوديع رجلٍ ترك إرثًا إنسانيًّا سيُخلَّد في ذاكرة السوريين والعالم.
بقلم نور عويس