وسط طابور يفوق الخمسين شخصا، ينتظر غسان دوره أمام صراف البنك التجاري في مدينة حماة، وعلامات التعب تبدو واضحة عليه، فلا خيار أمامه سوى الانتظار، فتراه يجلس على الرصيف تارة، ويعود ليأخذ مكانه تارة أخرى كي لا يضطر للمشاجرة مع أحد ممن هم مثله يصطفون وينتظرون دورهم.
تشهد مدينة حماه ازدحاما بعدد الموظفين كونها المحافظة الأقرب والواقعة تحت سيطرة النظام، فيقصدها آلاف الموظفين والمتقاعدين شهريا لقبض رواتبهم من مختلف المحافظات الخارجة عن سيطرته كإدلب والرقة وبعض مناطق ريف حلب ودير الزور، الأمر الذي سبب ضغطاً على الصرافات الموجودة فيها وهي لا تكاد تغطي احتياجات أبناء المدينة ليزيدها عبئا رواتب النازحين وموظفي المناطق المحررة.
يتحدث غسان وعلامات الغضب بادية في وجهه :” كل شهر أُجبر على خوض رحلة المعاناة هذه أمام الصراف لأقبض راتبي التقاعدي الذي يبلغ 35 ألف ليرة، وتبدأ من مضايقات حواجز النظام على طريق إدلب حماة، بالإضافة للمشاحنات الكلامية بين المتقاعدين، فمنهم من يحمل معه أكثر من بطاقة ليتذمر بعض منهم ويطلب منه العودة والوقوف بالصف من جديد، كي يتيح الفرصة لغيره”.
يضيف غسان :” تتخلل ساعات الوقوف الطويلة بعض المفاجآت التي قد تظهر بأي لحظة، كتوقف الصراف عن العمل وخروجه عن الخدمة ومن الممكن أن يستمر ذلك لأكثر من ساعة، ولا جدوى من تقديم شكوى لإدارة المصرف فما بيدهم حيلة، وكل ما يسعهم قوله : انتظروا شو في وراكم؟”، وكأنهم لا يعلمون أن معظمنا نأتي من مدينة تاني لنقبض رواتبنا والتي لا تكاد تسد الرمق إلا أنه كما يقال “بحصة بتسند جرة”.
ولعل غسان ذا الخمسين عاماً يتمتع بصحة جيدة بالنسبة إلى غيره من المتقاعدين، فمنهم غير قادرعلى تحمل مشقة الوقوف على قدميه، وقد تحتاج عملية قبض الراتب اذا استمرت أعطال الصراف لأكثر من يوم ليضطروا للمبيت إما عند أحد من معارفهم أو قضاء ليلة في إحدى الفنادق ليتساءل أحد المتقاعدين أمام الصراف ” شو بدو يصير هالراتب ليصير”.
وعدا عن تعطل الصراف الآلي باستمرار، فإن أكثر الأمور التي تثير استياء الموظفين أنه يحق للعسكريين مالا يحق لغيرهم، فيقول غسان :” كلما اقترب دوري في الوصول للصراف يأتي أحد العسكريين وبحوزته أكثر من بطاقة ليزاحم ويصل للصراف ولا أحد يستطيع التفوه بحرف واحد أو الاعتراض وإن تجرأ أحد واعترض فالجواب جاهز وعلى الملأ يقول ” تفضلوا قعدوا مكانا واحموا الوطن أنتوا ما بتعرفوا أنوا نحنا عيون الأمن الساهرة على راحتكم”، وهكذا، وإن كنت سعيد الحظ تستطيع أن تقبض في اليوم نفسه ، شكينا أمرنا لله”.
فعن أي وطن يتحدثون ويدّعون أنهم يحمونه، فخسائر النظام تتضاعف يوما بعد يوم، ومعاناة المواطنين تتضاعف معها وبالأخص في مناطق سيطرتهم، والجدير بالذكر أن اقتصاده بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد الارتفاع الكبير الذي وصل إليه سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية وما من حلول مرتقبة تريح كاهل المواطنين فما بيدهم حيلة..
يعود غسان بعد تلك الرحلة الشاقة ويقول لزوجته:” الله يغنينا عنهم وعن راتبهم ويخلصنا من ذلهم النا، فهم لا يحسبون أننا نضع نصفه مواصلات والنصف الآخر ما بكفينا ثمن خبز”، فإلى متى ستستمر المعاناة؟..
سماح خالد ـ المركز الصحفي السوري