“لا أحد منا كان يعلم ما هو مصيره آنذاك، فكنا قرابة الخمسين شاباً، وكنا عالقين بين منطقة لا تقبل استقبالنا بعد انتهاء العلاج، ومحافظة ستصبح تحت سيطرة النظام الذي أُصيب معظمنا في المعارك ضده”
سيراً على قدميه، وعلى مدار خمسين يوماً، قطع مأمون مسافة 200 كلم بين ريف دمشق الغربي ومحافظة القنيطرة مروراً بدرعا، متنقلاً بين قرية وأخرى حيث تُقيم المجموعات المعارضة المسؤولة عن طرق نقل الجرحى في الجنوب السوري، باحثاً عن صديقه عمران الذي كان نُقل قبلها بأربعة أشهر، لتلقي العلاج في المستشفيات الإسرائيلية بعد إصابته في ريف دمشق الغربي مطلع عام 2014 وانقطعت جميع الأخبار عنه.
سوريون كثر باتوا في عداد المفقودين بعد دخولهم المناطق الإسرائيلية لتلقي العلاج خلال سيطرة فصائل المعارضة على محافظتي درعا والقنيطرة الحدوديتين، وانضموا إلى آلاف السوريين الذين اختفوا قسراً خلال السنوات العشر الماضية، إذ دخلوا تلك الحدود للعلاج وقُطعت أخبارهم. وعلى رغم عدم جدوى البحث عن المختفين في سجون النظام في معظم الحالات، إلا أن عملية البحث متاحة للبعض، على خلاف المختفين داخل إسرائيل الذين باتت عملية البحث عنهم شبه مستحيلة، نظراً إلى حساسية قضية دخولهم حدود “العدو” الأبرز لمعظم المجتمعات العربية.
علاج خارج الحدود
على الطريق بين منطقتي خان الشيح وبيت جن رفي يف دمشق الغربي، وقعت المجموعة المقاتلة تحت إمرة مأمون (اسم مستعار) وهو قيادي سابق في فصيل يتبع للمجلس العسكري للجيش السوري الحر، في كمين أعدّته مجموعة مبايعة لتنظيم “داعش” في منطقة جبلية في 13 كانون الثاني/ يناير 2014، وتمكن ومجموعته من الفرار منهم سالمين، باستثناء عمران الذي أُصيب بطلق ناري أدى إلى تفتت عظم الفخذ.
لم تكن الإمكانات الطبية المتوفرة في المستشفيات الميدانية مُتاحة لإجراء عمل جراحي لقدم الشاب العشريني الذي ينحدر من ريف دمشق والذي انشق عن جيش النظام وانضم إلى صفوف المعارضة، فيما بقيت عائلته مقيمة في مناطق النظام.
كان السبيل الوحيد لإنقاذ عمران هو بتر القدم من أعلى الإصابة، وهو ما رفضه مأمون، مقرّراً إرساله إلى المستشفيات الإسرائيلية لإخضاعه لعمل جراحي، عبر مجموعة مسؤولة عن نقل الجرحى عبر طرق التهريب الجبلية والصخرية.
نُقل المصاب من قرية بيت جن إلى بلدة دير ماكر أقصى جنوب ريف دمشق الغربي، ومنها إلى قرية في ريف درعا (جنوب سوريا) تُسمى “الدناجة”، ليُسلّم من مجموعة لأخرى لحين وصوله نقطة العبور إلى الأراضي الإسرائيلية، حيث كان التواصل الأخير.
“سنقطع الحدود الليلة، وافق أحد المستشفيات على استقبال حالتي، وقالوا إن الرحلة لن تدوم طويلاً”. تلك كانت “الكلمات الأخيرة التي سمعتها من عمران في اتصال هاتفي من مقر مسؤول تنسيق المعبر مع الجانب الإسرائيلي، قبل ساعات من اجتيازه الحدود في 16 كانون الثاني 2014، يقول مأمون.
كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت عن استقبال سبعة جرحى سوريين كانوا بالقرب من الشريط الحدودي في 16 شباط/ فبراير 2013، مبيّنة على لسان نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك موشيه يعالون أن “استقبالهم حادث معزول تم لأسباب إنسانية، وأنّ ذلك لا يعكس أي تغيير في الموقف الإسرائيلي بعدم الرغبة في التدخل بالنزاع السوري، ولا يعني ترحيباً بأي تدفق محتمل للاجئين”، إلا أنها كشفت في الرابع من أيلول/ سبتمبر 2013 عن أعداد المصابين الذين تمّ استقبالهم في المستشفيات الإسرائيلية والذين تجاوزت أعدادهم 300 شخص منذ استقبال الحالات الأولى، معلنة عن تجهيز مستشفى عسكري ميداني في هضبة الجولان تضمّن غرفة عمليات وغرفة إنعاش وأخرى لتصوير الأشعة، إضافة إلى صيدلية وغرف للمصابين لاستقبال الحالات المماثلة، على أن يتلقوا العلاج فيها لمدة أقصاها أسبوع واحد، لنقلهم لاحقاً إلى مستشفيات مدنية لمواصلة علاجهم داخل اسرائيل.
نقلا عن وكالة درج