رغم كل الانهيار الذي كان واضحا عليها، ورغم لجوئها إلى المهدئات لمساعدتها في علاج حالتها النفسية، حيث أن تعابيرها بدت واضحة أمام عيون الجميع، ذاك الخوف الذي بات متغلغلاً في كل كلمة أو نظرة أو حركة تبدر منها، فما حدث مع “أم محمد” كان أكبر من القدرة على أن يستوعبه عقلها وعقل ابنتها ذات الستة عشر ربيعاً.
تروي “أم محمد” قصتها مع ابنتها وعائلتها عندما دخلت قوات الأمن منزل عائلتها الموجود في مدينة الحولة بريف حمص، حيث أنه وفي أحد حملات المداهمات للمدينة التي كانت من أقوى الحملات وأعنفها، كانت المدفعيات الثقيلة تقوم بقصف المناطق، وإطلاق النار الكثيف يعم الأرجاء، وقد كان أبناؤها الأربعة وزوجها موجودين في المنزل إضافة إلى ابنتها، حيث دخلت قوات الامن بيتها، وقاموا بأخذ الرجال ووضعهم في غرفة واحدة مع الضرب المستمر لهم والتلفظ بالشتائم لهم وللحرية التي يطالبون بها، ثم قاموا بوضعهم كصف واحد على الحائط و قاموا بإحضار الأم والابنة ، وبدأوا بتهديد الأب والأبناء باغتصاب الأم والفتاة إن لم يخبروهم عن مكان الثوار وعن أسمائهم، إلا انهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً سوى القول لا نعرف شيئاً، اذهبوا وابحثوا عنهم بأنفسكم.
وما كان من رجال الأمن والشبيحة إلا أن قاموا بضربهم بقوة وسط صراخهم من الألم، وطلب من الأم وابنتها خلع ثيابهن إلا أنهن رفضن ذلك ، فقام الشبيحة بإجبارهن على ذلك وقاموا باغتصاب الأم وابنتها أمام أعين الأب والأخوة، ثم أخذت الفتاة لغرفة أخرى والأم تسمع صراخ ابنتها دون قدرتها على فعل شيء لها سوى الشتم عليهم وعلى رئيسهم بشار، بعد ذلك أمر قائدهم بإطلاق النار على الرجال، وقد قتلوا أبناء “أم محمد” الأربعة وزوجها أمام أعينها، فلم تستطع تحمل الصدمة وفقدت وعيها، ولم تستيقظ إلا على صراخ أخيها الذي جاء لمنزلها بعد ذهاب الحملة، وقد وجد أخته وابنتها عاريتين، والرجال مغرقون بالدماء وقد فارقوا الحياة، ثم قام بنقل الفتاة إلى أحد المشافي الميدانية، وبقيت مدة أسبوع في حمص قبل أن يتم نقلها إلى تركيا هي وأمها، حيث قام مجموعة من أصحاب الخير (كما تقول الأم) بتقديم العون لهم ومساعدتهم على استئجار منزل في مدينة أنطاكيا التركية، والتكفل بمصاريف علاجهم.
وتقول الأم :” بقيت ابنتي لا تستطيع الخروج من المنزل ولا رؤية أي أحد وفي حالة ذعر دائم وبكاء شديدين ونوم متقطع وهي تستيقظ على صراخ وبكاء من كوابيس كانت تراودها، فهي لا تزال طفلة ولا قدرة لها على تحمل ما حدث لها.
هذا وعلى الرغم من معاناة الأم نفسها أيضاً واعتمادها على الأدوية لكي تبقى قادرة على الحياة، تقول الأم أيضاً نحن لم نعد كباقي البشر ولم يعد لنا حياة طبيعية، فقد سلبت منا كل معاني الحياة والآن لا أريد من الله سوى أن يأخذ هذه الروح، فلم يعد لحياتي أي معنىً.
يبدو أن هذه القصة هي واحدة من آلاف القصص لنساء تعرضن لحالات اغتصاب و سلبت كرامتهن فهذه السياسة التي لجأ إليها النظام لإضعاف الروح المعنوية لدى السوريين وإذلالهم وإجبارهم على الخضوع، وهذا ليس غريباً عن نظام اعتمد مبدأ العنف والهمجية والسادية وما قام به تجاه النساء سواءً في المعتقلات أو خارجها ما هو إلا دليل على تجاوزاته وعدم وضعه أي اعتبار للكرامة الانسانية.
ولا بد لهذا الأمر من أن يكون له أثره على المرأة المغتصبة ،في ظل مجتمع ينظر لمثل هذه الحالة على أنها مشكلة، ويصبح الأهل يشعرون بالعار لما حل بابنتهم، حيث يصبح من الصعب انخراطها بالمجتمع بشكل طبيعي، كذلك تصبح في حالة من الخجل والخوف وانعدام الأمان، ولا بد من زيادة الوعي والتقدير لحالتها والتفهم لما تعانيه.
باريزان اليوسف
المركز الصحفي السوري