في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات التركية الأوروبية توتراً شديداً، حل رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تشيبراس، يوم الإثنين 19 حزيران/يونيو، ضيفاً على أنقرة، ملتقياً نظيره التركي، بن علي يلدرم، ومبيناً، في المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع، أن مسار المحادثات كان جيداً.
وفي ظل وجود حالة من تدهور العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، تصبح هذه الزيارة مثار تساؤل مفاده؛ ما هي المحاور والدلالات التي تحملها الزيارة؟
في البداية، لئن وضعنا نظرية الأجندة بعين الاعتبار، فإننا سنلاحظ أن قضية تسليم اليونان للضباط الانقلابيين الذين لجأوا إليها ليلة انقلاب 15 تموز/يوليو الفاشل، هي المحور الأساسي لهذه الزيارة، لا سيما وأن الحكومة التركية لا زالت لليوم بحاجة إلى الدعم الشعبي الوافر في عملية تقليم أظافر التوغل المؤسساتي لجماعة غولن.
إذا استطاعت تركيا إقناع اليونان بتسليمها الضباط الفارين فإن شرعيتها الشعبية، وبالتالي الإعلامية المساندة لعملية تطهير المؤسسات الأمنية من براثن توغل جماعة غولن سوف تزيد. لكن عند النظر إلى المنحى العام إلى مُجريات الزيارة وتصريحات رئيسي الوزراء، نُلامس أنه على الرغم من حاجة تركيا المُلّحة لإتمام عملية التسليم، إلا أن المشاورات لم تُثمر توافق نهائي حول توقيت وآلية تسليمهم.
كالعادة، تعتبر قضية قبرص، القضية التاريخية القديمة الجديدة العالقة بين الطرفين، أحد أهم محاور لقاءات الطرفين. ولعل تزامن الزيارة مع بدء الطرفين اليوناني ـ التركي عملية المفاوضات من جديد، يدلل على أن الزيارة جاءت في ضوء دعم هذه العملية. يرغب الطرفان في الحصول على أكبر قدر من الفائدة في عملية الحل، بحيث يطمح كلاهما لأن يكون الحل في صالحه وفقاً لمعادلة “التوافق النسبي” القائمة على فائدة أكبر لصالح طرف على حساب الآخر، ويُشير تأكيد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، خلال اللقاء الصحفي المشترك، على ضرورة التوصل إلى تطبيق معادلة رابح ـ رابح في عملية الحل، إلى أن الطرفين لم يتفقا بعد على أسس تحمل فائدة متبادلة لكليهما في عملية الحل.
في السياق ذاته، لا ريب في أن تشابك المصالح البينية المكثفة بين الطرفين تجعلهما بحاجة دائمة إلى اللقاءات رفيعة المستوى بهدف تحقيق سياسة “تقاسم الأدوار” متبادلة الفائدة. ولقد تُرجمت المصالح البينية الرابطة بين الطرفين في الزيارة الأخيرة عبر إظهار تركيا، بتصريحات رئيس وزرائها وحرصها على التنسيق الدبلوماسي والأمني مع اليونان، رغبتها في الإبقاء على “شعرة معاوية” مع الاتحاد الأوروبي وعدم الانفصال عنه تماماً، على الرغم من حدة الخلافات التي وصلت إليها علاقاتها معه في الآونة الأخيرة.
ويُلاحظ أن تركيا حرصت على تطبيق هذه السياسة عبر التنسيق الدبلوماسي والأمني مع بلغاريا أيضاً، وذلك عبر اللقاء الهاتفي الذي جمع بين رئيس الوزراء التركي ونظيره البلغاري. والسبب وراء المسعى التركي لذلك هو عمق المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية التي تربطها بالاتحاد الأوروبي. وقد برهنت تركيا حرصها على الحفاظ على الحد الأدني من إيجابية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي عبر تأكيد سريان “اتفاقية اللاجئين”.
أما على الصعيد اليوناني، فالمصلحة المرجوة من تركيا تكمن في تخوف اليونان من تعليق تركيا تطبيق أسس “اتفاقية اللاجئين” بالكامل، بالإضافة إلى حاجتها الماسة إلى توثيق علاقاتها التجارية مع الدول الجارة كبديل للتبعية الاقتصادية شبه الكاملة لدول الاتحاد الأوروبي الكبرى كألمانيا، بغية تخفيف حدة التدهور الاقتصادي الذي لا زالت تدور رحاه إلى اليوم.
في الختام، تجمع تركيا واليونان الكثير من الملفات والمصالح المشتركة، وهذا ما يجعل لقاءاتهما الثنائية المتواترة أمراً لا بد منه.
ترك برس